عباس لن يتقاعد وباراك لن يهاجم غزة وحماس لن تسيطر على الضفة

عباس لن يتقاعد وباراك لن يهاجم غزة وحماس لن تسيطر على الضفة
عباس لن يتقاعد وباراك لن يهاجم غزة وحماس لن تسيطر على الضفة

28-11

آفي يسسخروف وعاموس هرئيل

هآرتس

 

حل 58 دولة

اضافة اعلان

محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية الذي أطلق عليه رئيس الوزراء السابق ارئيل شارون لقبا مهينا قبل بضع سنين، يبدو هذا الاسبوع بعيدا جدا عن الصورة الدارجة له في نظر الاسرائيليين. فبينما يتساءل كبار رجالات جهاز الامن في اسرائيل ومثلهم قسم من رجال الرئيس في حركة فتح، أنفسهم كم من الوقت بقي لعباس للجلوس في مكتبه في المقاطعة، فإنه يلمح إلى نيته البقاء اكثر بكثير بعد 9 كانون الثاني، الموعد الذي تدعي حماس انه نهاية ولايته.

يوم الاحد الماضي بعد الساعة 11 صباحا بقليل، افتتحت في المقاطعة جلسة المجلس لمركزي لـ م.ت.ف. وانشد النشيد الوطني "بلادي". ثم الفاتحة وتلا ذلك كلمة رئيس المجلس سليم الزعنون. وكان يخيل للحظة ان شيئا لم يتغير هناك. الكثير من الوجوه القديمة والمعروفة ممن اجتمعوا تحت سقف هذه الهيئة التي تحوم حول مكانتها علامة استفهام كبيرة.

وهاجم الزعنون في خطابه بداية حماس وبعد ذلك اسرائيل. هذا هو سلم اولويات السلطة الفلسطينية و م.ت.ف في هذه اللحظة: التهديد الحقيقي يحدق من جانب حماس وعليه فيجب معالجته اولا. أما اسرائيل، سواء بالسلام او في الحرب، فيمكن لها أن تنتظر. في رام الله يفهمون بأن الانتخابات للكنيست ستعرقل على أي حال المفاوضات على التسوية الدائمة لزمن طويل، ولا سيما اذا كان المنتصر بنيامين نتنياهو.

الخطيب التالي كان الرئيس محمود عباس. وكعادته، اطال في حديثه واستعرض وضع المفاوضات السياسية مع اسرائيل. عباس، الذي بث ثقة كبيرة بالنفس واكثر من المزاح، بدا وكأنه مصمم جدا على انضاج مبادرة السلام العربية، التي اخرجت مؤخرا من النفتالين. ويكثر عباس الآن من المشاورات على تقدم المبادرة في الرأي العام الاسرائيلي والاميركي، على أمل أن تؤدي الخطوة الى تحول حقيقي في الشرق الاوسط.

 وقد تبنى شعارا "سياسيا جديدا" على مسمع من المحيطين به. وعن حل "دولتين للشعبين" يقول عباس: "نحن نتحدث عن حل 58 دولة". عباس يحصي 57 دولة اسلامية وعربية، ستتوصل الى سلام كامل مع اسرائيل، الدولة الـ58.

ومع نهاية خطاب الرئيس، جاء العنوان الرئيس. اذا تواصلت الأزمة مع حركة حماس حتى بداية 2009، فإنه سيعلن عن انتخابات مبكرة للرئاسة والبرلمان. مشكوك جدا أن تعقد انتخابات مبكرة دون موافقة حماس، التي تستطيع ان تمنع وجودها في القطاع. عباس ايضا كي لا يقيد نفسه اكثر مما ينبغي، امتنع عن تحديد موعد دقيق. إن من لقبه شارون بالصوص بدا هذا الاسبوع كديك ناضج متحفز للمعركة. كان هذا تهديدا صريحا نحو حماس اوضح بأن عباس لا يخشى من الخروج في منافسة مباشرة على موقف الشارع الفلسطيني.

من الصعب أن نقدر حجم الرهان الذي يأخذه ابو مازن. فالاستطلاعات تتنبأ له ولفتح بانتصار كبير، ولكن المستطلعين الفلسطينيين لم يتميزوا بنتائج استطلاعاتهم في الماضي. انقلاب حماس التي انتصرت في الانتخابات للبرلمان في كانون الثاني 2006، اضاعوا التنبؤ به تماما. ومن احاديث مع سكان في رام الله وفي منطقة جنين يتبين أساسا احساس النفور والتعب من السياسة الفلسطينية ومن المعسكرين الصقريين، فتح وحماس. ولا يزال لا يجب تجاهل حجم انجاز عباس ورئيس حكومة السلطة سلام فياض، اللذين جعلا الضفة في السنة والنصف الاخيرة مكان سكن اكثر احتمالا لسكانها من قبل.

في ثلاث مدن – جنين، نابلس ومؤخرا في الخليل ايضا – نجحت السلطة في اظهار سيادة مسنودة بصلاحية امنية. فالمسلحون اختفوا من الشوارع ومعهم ايضا الفوضى، لعنة الانتفاضة الثانية. وحتى في الخليل، التي اعتبرت معقل حماس بوضوح، تسجل السلطة انجازات مفاجئة في الصراع مع حماس. هذه ليست بعد دولة سليمة: الشرطة والجهاز القضائي في الضفة يجب ان يجتازا تغييرات مهمة لخلق استقرار سلطوي حقيقي. ولكن احساس سكان الضفة هو أنه على الاقل عاد النظام العام الى المدن. واذا كان الوضع الاقتصادي ليس لامعا، فإنه افضل بلا قياس مما يجري في القطاع، تحت سلطة حماس.

الاسبوع الماضي تجرأ عباس على الشروع في مواجهة جبهوية اولى حتى في الجبهة الخارجية، حيال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى. موسى، الذي أيد المبادرة المصرية للمصالحة بين فتح وحماس، هدد بان الجامعة لن تتردد في الاشارة الى الجهة التي تفشل المحادثات المزمع عقدها في القاهرة. وبعد أن الغت حماس مشاركتها في القمة في مصر، ولا سيما لتخوفها من ان المصالحة ستضر بسيطرتها في غزة، توقع عباس ورجاله أن يتخذ موسى موقفا قاطعا ويلقي بالتبعة على الخصم الاسلامي. في لقاء الرباعية في شرم الشيخ قبل نحو اسبوعين، طلب ابو مازن بل طالب موسى بذلك صراحة.

ولكن الأمين العام للجامعة تجاهل ذلك. وادعى في حديث مع نبيل شعث، مقرب عباس، بان السلطة واسرائيل توصلتا الى اتفاق مبادىء سري من خلف ظهر الجامعة. فرد شعث بغضب. وفي اعقاب ذلك قرر عباس في خطوة استثنائية، عدم السفر للقاء وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة أول أمس.

هذا سينتهي بالقتل

تتابع اسرائيل عن كثب صراع القوى الفلسطينية ولكن بمدى حضور أدنى مما في الماضي. تقارير في وسائل الاعلام عن لقاءات نسق فيها مسؤولو الجيش الاسرائيلي ورؤساء الاجهزة استمرار الصراع ضد حماس، احدثت حرجا ما في الجانب الفلسطيني. اما الان، فان اسرائيل الرسمية تقلل من تصريحاتها وان كانت المداولات عن اليوم التالي لـ9 كانون الثاني تتواصل. من اقنع مكتب رئيس الوزراء بقابلية الوضع للتفجر كان رئيس المخابرات يوفال ديسكن، الذي شخص الازمة السياسية في السلطة بانها ذات طاقة هدامة كامنة حتى قبل عدة اشهر. وجر الجيش الى انشغال مكثف بذلك تحت ضغط رجال اولمرت.

ضباط كبار قالوا هذا الاسبوع ان الجيش الاسرائيلي يستعد لسلسلة سيناريوهات محتملة في الضفة، بينها اعتزال عباس بسبب الخلاف القانوني على مكانته، تفاقم حالته الصحية او اغتياله. اعلان من جانب حماس بان ولاية الرئيس "غير قانونية" كفيل بان يوازي اباحة دمه. ومع ذلك، ففي المداولات التي عقدت في الاسابيع الاخيرة تعزز التقدير بان عباس سيتمسك بكرسيه. وقال مصدر امني كبير: "هو يريد أن يبقى، وسيجد الطريق لعمل ذلك".

فتح تحتاج عباس في السلطة. كبار المسؤولين لا يضغطون على عباس بالبقاء فقط. فالمتطرفون منهم يقترحون على الرئيس الاعلان عن غزة كاقليم متمرد والتوجه الى انتخابات في الضفة فقط. وعلى سيبل العقبى، يوصون بوقف دفع الرواتب لموظفي السلطة العاطلين عن العمل في غزة، وهي التي ستشدد الخناق الاقتصادي على القطاع.

جذور التصميم الجديد لفتح في المواجهة الداخلية يشخصونها في الجيش الاسرائيلي في سلسلة الاحداث التي بدأت بالانقلاب العنيف لحماس في غزة في حزيران 2007. اليد الحديدية التي عالجت بها حماس في غزة عائلتي حلس ودغمش اكدت الرسالة. ومن الجهة الاخرى سلسلة الاعمال الاسرائيلية ضد البنى التحتية المدنية لحماس، وعلى رأسها اقتحام المجمع التجاري بملكية الجمعيات الاسلامية في نابلس في الصيف الماضي، اقنعت السلطة بان من الافضل ان تقوم الاجهزة وليس الجيش الاسرائيلي بالعمل القذر. النتيجة هي اغلاق عشرات الجمعيات ومكاتب حماس واعتقال المئات من رجالها. في جهاز الامن يؤكدون زعم رؤساء الاجهزة بانهم يقتربون من تحطيم البنى التحتية العسكرية لحماس في الضفة. حماس خفضت دراماتيكيا نقل الاموال الى المنظمات الخيرية في الضفة، خشية أن تضع السلطة يدها على المال.

"لقد توقفوا عن خداعنا"، يقول ضابط كبير في هيئة الاركان. ويضيف ضابط آخر: "لدينا الان مقاول فرعي ممتاز حيال حماس. هذا لا يشبه المرات السابقة التي نقلنا فيها المسؤولية الى السلطة. يمكن لنا أن نرى البريق في العيون". التوقعات التي انطلقت قبل نصف سنة وكأنه مطلوب لحماس 72 ساعة دون وجود الجيش الاسرائيلي كي تحتل الضفة من يد فتح، القي بها الى سلة المهملات الاستخبارية.

على المدى البعيد يقدرون في هيئة الاركان، فتح وحماس لا تؤمنان بانه يمكنهما ان تتعايشا معا. كل طرف يريد تصفية الاخر. ولكن على المدى الاقصر، وان كانت حماس غير معنية بالمصالحة، فان لها مصلحة في الوصول الى مهلة تكتيكية، لانها لا تزال يتعين عليها أن تثبت حكمها في القطاع. السيطرة على المجتمع وعلى الحكم يسبق في نظرها المجال العسكري. وانطلاقا من استراتيجيتها العامة، وافقت حماس على التهدئة مع اسرائيل. في اسرائيل بالطبع، تم القيام بذلك على نحو معاكس. الحاجة التكتيكية للهدوء تغلبت على الاعتبارات الاستراتيجية.

ولكن كل هذه التقديرات جيدة فقط بضمان محدود. التجربة المتراكمة في المناطق تدل على أن السيناريو غير المتوقع يميل الى أن يبعد عن الطريق الخطط المعقدة. فمنذ زمن غير بعيد ذكر ضباط نائب رئيس الاركان، اللواء دان هرئيل كيف حصل انه عندما كان رئيس دائرة العمليات في هيئة الاركان في شباط 1994 استدعى في يوم جمعة 185 سرية الى المناطق ردا على مذبحة ارتكبها باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي. يكفي حدث واحد، من الجانب الاسرائيلي او الفلسطيني لهز كل التوقعات.

الحرب في غزة لن تهرب

وزير الدفاع ايهود باراك يواصل تلقي الضربات على المستوى السياسي الداخلي. ولكن في كل ما يتعلق بشؤون وزارته، فان باراك يحافظ على رؤية باردة وواعية. واذا كان لا يزال قبل بضعة اشهر يبث رسالة مزدوجة وغامضة عن عملية واسعة للجيش الاسرائيلي في غزة، فهذا الاسبوع كان واضحا وجليا. "لم آت الى هنا كي أعتذر"، قال في خطاب استثنائي في الكنيست. " لا اتأسف على أي يوم من التهدئة ولا اتأسف على ايام اخرى، طالما تخدم مصالح دولة اسرائيل".

وحذر باراك ممن يؤمنون عبثا بـ"حل هوائي نقي" لمشكلة الصواريخ في القطاع. "من يريد حلا مستقرا ودائما لتهديد حماس من غزة، سيتعين عليه الدخول الى هناك ومعالجة المشكلة. لا تسلوا انفسكم بكلمات فارغة. اذا كنتت تدعون للعودة الى القطاع، قولوا ذلك بصوت عال وقولوا ما هي المعاني النابعة من ذلك". الحرب لن تهرب، ادعى باراك وشدد بان ليس له أي شهية للعودة الى أزقة جباليا. الكلمات كالسهم. ربما بعد أن يفقد بعض المقاعد الاخرى في الاستطلاعات، سنسمع منه ايضا ماذا يفكر حقا عن المفاوضات لاعادة جلعاد شاليط.

ادعاءات كبار رجالات هيئة الاركان في الاسابيع الاخيرة بدت مشابهة جدا لادعاءات وزير الدفاع. المصلحة الاسرائيلية في نظرهم هي اضعاف حماس، ولكن يدور الحديث عن سياق بعيد المدى. طالما كانت قوات امن عباس غير قوية بما فيه الكفاية لاخذ مكان حماس في غزة، لا داعي للسرعة. يبدو أن معظم الجنرالات (رأي الاقلية المعاكس يقوده قائد المنطقة الجنوبية يوآف جلانت)، يعتقدون بانه لن يكون ممكنا السير الى "نصف حملة" في غزة. حتى لو قررت الحكومة احتلالا محدود لاجزاء من القطاع، يوجد خطر في أن استمرار نار الصواريخ في ظل الحملة سيخلق ضغطا من الرأي العام الاسرائيلي لحل المشكلة مرة واحدة والى الابد.

وذلك يعني تجنيد بضع فرق احتياط اخرى لاحتلال كامل للقطاع، ومنظومة علاقات بعيدة المدى مع مليون ونصف فلسطيني، اوهمت اسرائيل نفسها انها انفصلت عنهم الى الابد بفضل فك الارتباط. الحساب العسكري يتحدث عن كلفة يومية تقدر بحوالي 17 مليون شيكل، فقط لغرض توفير الادوية، الغذاء والحفاضات للاطفال للسكان المحتلين في قسم من القطاع. في واقع الازمة الاقتصادية العالمية، نصف بليون شيكل في الشهر ايضا (لا تتضمن صيانة الجيش في القتال وايام الاحتياط) هي نفقات لا يمكن تجاهلها.

الجنرالات يهمسون ايضا بما لا يقوله باراك: ان الحكومة الانتقالية تجعل ولاية اولمرت الولاية الاطول لحكومة الشلل الوطني. منذ الفشل في لبنان، تؤثر الغمزة للجنة التحقيق التالية على مسيرة (عدم) اتخاذ القرارات، من المداولات عديمة الجدوى عن غزة وحتى الجلسات غير الجدية جدا للجنة الوزارية التي تبحث بتحرير السجناء مقابل شاليط. خلافا للانطباع الذي تخلقه وسائل الاعلام احيانا، فان اسرائيل بعيدة جدا عن دخول مكثف للقطاع. الاستعدادات العملية لذلك جمدت. وباستثناء سيناريو متطرف لقتلى كثيرين في هجوم صاروخي، من الصعب ان نتوقع اجتياحا للقطاع في الفترة القريبة القادمة.

المناورات الحربية التي اجراها الجيش الاسرائيلي، في حالة خطوة برية كبيرة، توقعت ضربة شديدة لحماس، ولكن ليس هزيمتها. احد السيناريوهات يتحدث عن ثمانية ايام من القتال، نحو 650 قتيلا من حماس، اكثر من 30 قتيلا من الجيش الاسرائيلي وعدد ليس قليلا من المدنيين الفلسطينيين الذين سيقتلون في الاشتباكات. وحتى بعد فترة زمنية كهذه، سيحتل جزء من القطاع فقط ويقع دمار هائل بالبنى التحتية في الجانب الفلسطيني ونار القسام ستستمر. يجب أن يؤخذ بالحسبان ايضا الانتقاد المتوقع في الساحة الدولية واحتمال ان يحاول حزب الله، في حالة مواجهة واسعة، فتح جبهة ثانية من لبنان. اساس الاصابات سيتلقاها الجيش الاسرائيلي كنتيجة للعبوات الناسفة الكبيرة، في عمليات بواسطة انفاق ونار صواريخ ضد الدبابات، وان كانت لا توجد في هذه المرحلة معلومات استخبارية مؤكدة عن تهريب صواريخ مضادة للدبابات متطورة الى القطاع مثل "ماتس" و "كورنيت"، النماذج التي تتوفر تحت تصرف سورية وحزب الله.

"احتلال غزة هو موضوع قرار سياسي" يقول ضابط كبير. "على المستوى العملي، لا جدال حول النتيجة. واضح للجميع أن هذه لن تكون نزهة سنوية، ولكن الجيش الاسرائيلي سيعرف كيف يفعل ذلك، اذا ما كلف بالمهمة. السؤال هو استراتيجي: ما الذي  تريد اسرائيل أن تحققه؟ ولمن ستنقل المفاتيح بعد الاحتلال؟".