عبقرية الآباء وفشل الأبناء

لا توجد منطقة في العالم تدين بالولاء العائلي في إدارات الشركات كما يحدث عندنا، ومن دون أن يتعلم أحد أن هذا الأمر هو ما تسبب في إفلاس كثير من هذه الشركات.اضافة اعلان
فهذه الثقافة الاستثمارية السلبية أنتجت فشلا في معظم الشركات. إذ إن النسق العائلي في الإدارة وتعاقب الأجيال عليه، يعيق تطور النشاط الاقتصادي، كما يقلص قدرات المؤسسة في التنافسية، ويلغي -من دون أدنى شك- مواصفات الحاكمية الرشيدة في إدارة الشركات؛ بأن تغيب التراتيبة، ومعها سلم المسؤوليات الوظيفية والاختصاصات، وتخبو المحددات المهنية ذات الصلة بالاحتراف.
بالمناسبة، فإن وجود طبيب مشهور ومتميز وصاحب سمعة مرموقة، لا يعني بالضرورة أن ذات المواصفات يمكن توريثها للابن. وبالمثل، فإن نجاح الجد، ومن بعده الأب، كرئيسين لمجلس إدارة إحدى الشركات الكبيرة والعريقة في ظل إدارة عائلية بملامح أبوية، لا يعني بالضرورة أن الحفيد سيستمر بذات النهج الإداري. وهو ما حدث بالفعل.
وتشير نظريات حديثة في الإدارة إلى أن الخلط ما بين ملكية الأسهم وإدارة الشركات يُضعف الطابع المؤسسي لأي شركة مهما كانت كبيرة أو صغيرة. ولذلك، تسللت حلول جذرية -بذات المعنى- إلى أروقة الشركات في أوروبا وأميركا منذ ثلاثة عقود، وقضت بأن الفصل بين المساهمة والإدارة جزء من نجاح الاستثمار؛ كما أن السمة العائلية تنطوي على مخاطرة قد تودي بكل موجودات المؤسسة الاقتصادية في لحظة ما.
بعيدا عن الكلام العام أو النظري، فإن الواقع العملي في بلادنا يشير إلى أن التوريث ثقافة دارجة بكل مساوئها وعيوبها. فالمهندس يريد أن يرى أبناءه مهندسين، وكذا المصرفي وغيره. بيد أن الخطورة تكمن في الإصرار على أن نجاح تجربة الأب أو الجد يمكن أن تعمم وتترسخ لدى الابن أو الحفيد.
تلك الثقافة السلبية لا تقتل الإبداع وحسب، بل وتسمح بتسلل فيروسات الترهل والمحسوبية والخراب إلى داخل الشركات الكبيرة. والمؤسف أن النمط العائلي يجسد تراكمات ضارة، تشمل القطاعين العام والخاص. وهو نمط يتكاثر عربيا وأردنيا في الاقتصاد كما في السياسة، وباقي جوانب الحياة، وأخطر ما فيه أنه يحيد العدالة ويعصف بالمساواة، وينتج الحقد والنفاق في آن معا لابن المسؤول الذي تضطر كوادر المؤسسة على اختلافها لمجاملته وهز الرأس أمامه، حتى لو كان ذا تجربة ضحلة أو عديم الدراية بأي من تفاصيل المؤسسة التي يسيطر عليها.