عتب المغتربين!

كَمّ كبير من التعليقات وصلني على مواقع التواصل الاحتماعي والموقع الالكتروني للغد على مقالتي أمس بعنوان "سياسات المغتربين"، الذي خصصته للمطالبة بتغيير عقلية تعامل الدولة معهم، وبإعطاء هذا الملف أهمية أكبر، والاستفادة من المغتربين وخبراتهم في الخارج.اضافة اعلان
     الفكرة الجوهرية للمقال تمثّلت بفكرة إقامة قاعدة معلومات وبيانات لتسهيل التواصل والاتصال وتقديم الخدمات لهم، والإشارة إلى المشروع الذي طرحه الصديق سعيد أبوعودة في إمكانية استغلال العقول الأردنية في الخارج، وكذلك الأمر في الدفع نحو تعزيز العلاقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية معهم، ورفع "الفيتو" الرسمي عن مشاركة المغتربين في الخارج بالانتخابات في بلدانهم.
     هذه فكرة المقال الجوهرية، إلاّ أنّني، وكنتُ أظن أنّهم يدفعون ضريبة دخل هنا، أصلاً، قلت إنّ مثل   هذه الإجراءات تسهّل دفعهم للضريبة، ما أثار مخاوفهم من وجود مشروع قانون أو توجه رسمي لمثل هذه السياسة! وفي حدود علمي أو في خلفية مقالتي لا يوجد مثل هذا الأمر، بقدر ما أنّني لم أقم بتحضير درسي جيّداً في هذه الجزئية، عن الضريبة، فحدث الخلط لدى الأصدقاء والمعلقين، وربما أثار مخاوفهم من أنّ هناك تفكيراً في دفع الضرائب!
       ربّ ضارّة نافعة، والمسألة بحثتُ فيها بعد ردود الفعل أمس، بخاصة عن "الازدواج الضريبي" وتشريعات الدول والاختلاف فيما بينها في سياساتها بهذا الاتجاه، لكنّ ما لفت انتباهي أكثر هو بصراحة حجم العتب لدى المغتربين على الحكومات، في التعليقات المسبوكة جيداً التي جاءتني أو نُشرت على صفحتي على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيها حجج وآراء كلها تشكّل قناعة بأنّ مشكلة مركّبة، هنا وهناك، بين المغترب والدولة!
     أغلب التعليقات أشارت إلى أنّ الخدمات التي تقدّم لهم أقل مما هو مفترض، وأنّ السفارات عاجزة عن أداء المهمات المنتظرة، وأنّه مقابل قانون فاتكا الأميركي الذي أشرتُ إليه في مقالتي فإنّ الأميركي أينما كان يحصل على بديل كبير، على أكثر من صعيد، من قبل حكومته، بينما المواطن والمغترب الأردني لا يحصل على شيء.
      كيف يمكن إصلاح العلاقة بين المغترب والدولة (سيقول قارئو هذا السطر: أصلح علاقة المواطن بالدولة أولاً هنا.. أعرف ذلك، لكن دعونا نتحدث هنا، على الأقل عن المغترب!) أشرنا إلى أنّ وزير الخارجية الحالي أيمن الصفدي بدأ بإجراءات مهمة وعملية في تحسين الخدمات القنصلية، وتطويرها، وأشرنا إليها في مقالات سابقة، لكنّنا بحاجة إلى معرفة التغذية الراجعة من المغتربين، فيما إذا كان هنالك فرق ملموس أم لا؟
      الأمر الثاني تعزيز قنوات التواصل مع المغتربين من خلال المؤتمرات واللقاءات واللجان التي من الممكن أن تحمل تطويراً في علاقتهم بدولتهم ووطنهم والإفادة من خبراتهم في هذا المجال، وربما يساعدنا كثيراً على تحقيق هذه المهمة بناء قاعدة المعلومات المذكورة، وهي متوافرة في أغلب الدول الغربية والأوروبية تجاه رعاياها في الخارج.
     مثل هذه الأفكار تتطلب تطوير قسم شؤون المغتربين في وزارة الخارجية، وتأهيل الكوادر المطلوبة، نوعاً وكماً، وتوفير الموارد المالية، والتفكير بصيغة جديدة لمؤتمر المغتربين تكون أكثر إفادة وعملية، وتساهم في تعزيز التواصل المطلوب، وبموازاة ذلك نحن بحاجة إلى حوار عميق وفهم وجهات النظر المتبادلة، لأنّ ما نقرأه يكشف بوضوح أنّ هنالك فجوة عميقة في الداخل والخارج.