عجائب فعل الفرد

هآرتس

يوئيل ماركوس

8/1/2016

لا أدري اذا كان ينبغي لي أن أضحك أم أبكي. فكيف حصل أن شابا واحدا ينجح في غضون بضع دقائق في أن يلقي بشره على المدينة الاكبر والابهج في الدولة، مثلما في فيلم حتى هيتشكوك ما كان لينتجه. وذلك دون حاجة لكاميرات كبيرة او زينة متطورة. كل المشهد لم يدم أكثر من بضع دقائق. لم يوجه أحد بطل فيلم الرعب كيف يتحرك في الساحة. فقد سار يحمل حقيبة وكيس نايلون، افرغه في الرف كمن قرر ألا يشتري البضاعة. وعندها بعد أن اتخذ بضع خطوات باتجاه الخروج فيما كان يرتب شيئا ما في حقيبته، انطلق كرمشة عين إلى الخارج فورا إلى البار الذي مقابله، وقتل في وضح النهار. كل هذا في ديزينغوف، في لب لباب المدينة العبرية الاولى. اضافة اعلان
في اللحظة الاولى لم يعرف احد من هو. وفقط عندما خلدته كاميرا المحل، تبين لسكان رما افيف بانه هو الشخص الذي يعرفونه. فقد عمل كمراسل في محل للخضار في المحيط. غير قليلين منهم شخصوه كمن أمّ بيتهم وجلب لهم الخضار الطازج. وغني عن القول ان بعضهم اصيبوا بفزع لاحق. فقد كان بشوشا بالذات وصاحب نكتة، قالوا برجفة ما.
كيف كف سكان المدينة بهذه السرعة عن الانفعال. فقد عادوا إلى ما كانوا يعرفون عمله على النحو الافضل: الفزع. لقد تعرضت تل أبيب لعمليات جماعية وإجرامية – في الباصات، في المقاهي وفي المطاعم قتل يهود بلا تمييز. ولكن اكثر من أي شيء آخر خاف التل أبيبيون من هجمة الصواريخ العراقية التي مزقت اعصابهم على مدى أربعين يوما وأربعين ليلة. لقد فعلت هذه الصواريخ أساسا الكثير من الضجيج وفي احيان نادرة اصابت. ولكن بينما "رقص الفلسطينيون على الاسطح"، كما افادت تقارير الاعلام في تلك الايام، فر الاف الإسرائيليين من تل أبيب. ليس مثلما في لندن التي كانت هدفا يوميا لطائرات القصف الالمانية في أثناء الحرب العالمية الثانية.
والان نجح شخص واحد في فرض مثل هذا الخوف بسبب عملية واحدة. مخرب واحد، بات اسمه معروفا للسلطات، ناهيك عن زبائنه من محل الخضار. المفتش العام الجديد، الذي تعثر حظه فكسر قدمه تماما قبل تتويجه في منصبه، تصرف بشكل غريب عند ظهوره العلني الاول. فقد دعا دولة تل أبيب إلى العودة إلى الحياة الطبيعية وإلى عدم القلق. كيف يمكن عدم القلق. لقد بث، دون أن يقول ذلك، رسالة "انا على ما يرام، انا من المخابرات، عندي لن يسرب احد". وهدأ الوزيران بينيت واردان روع الجمهور بالحجة الغبية في أن حتى في حوادث الطرق وجراء الانفلونزا يمكن للمرء أن يموت، واشتكى قدامى تل أبيب، بان حتى البريطانيين في عهد الانتداب لم يقتحموا شقق السكان؛ "قلبوا لنا الخزائن وكأن المخرب يختبىء في أحد الرفوف"، اشتكى سكان آخرون.
ولكن من أخافنا حقا كان ليس آخر غير رئيس الوزراء، الذي جلب معه منصة الخطابة الرسمية له، ظهر على خلفة صور القتلى والدم، والقى خطاب تحريض، وصفه مراقب حيادي كمحاولة لصرف الانتباه عن تحقيقات زوجته لدى الشرطة. ظهور زعامي عظيم كما يصفه جزء كبير من مصوتيه.
العرب ليسوا أغبياء بقدر ما يعتقد مؤيدو بلاد إسرائيل الكاملة. فهم يدرسوننا من كل جهة، 70 سنة على الاقل. مصلحتنا هي السعي إلى مساواة الفرص. موشيه آرنس، الذي كوزير للدفاع بدأ يجند الدروس للجيش الإسرائيلي، استند في تعليله لهذه الخطوة إلى الفكر الجابوتنسكي، الساعي إلى حياة تعاون ومساواة مع العرب.
ولكن بيبي منشغل بالتحريض وبنظرية الالعاب: فهو يجد الوقت لتحذير الطاقم الوزاري من أنه ينبغي الاستعداد لخطر انهيار السلطة؛ يقترح زيادة الميزانيات للوسط العربي كبادرة طيبة، ولكنه يتراجع ويشترط هذا الامتياز بـ"السلوك الجيد" – والا فانهم سيرون العصا. وكأنه لا يعرف أنه بالتهديد والانذار لا يبني سورا. هذا ليس مضحكا على الاطلاق: اذا لم نتعلم كيف نعيش مع العرب، فانهم هم لن يكونوا آخر من يضحك.