"عجز" فيّاض و"معجزة" هنيّة

مع نهاية عام وبداية آخر، تعلن الحكومات موازناتها وقوائمها المالية. وفي حالة السلطة الفلسطينية، حيث توجد حكومتان؛ "مستقيلة" برئاسة د. سلام فياض في رام الله، و"مُقالة" برئاسة م. إسماعيل هنية، أُعلنت بالفعل نتائج مالية. إذ أعلنت حكومة فياض نتائج معروفة أصلا، بحكم تكرار التحذير منها في لقاءات فياض الصحفية، حيث بيّن أن العجز في موازنة العام 2011 وصل حوالي 800 مليون دولار، وقد يصل إلى 1.1 مليار في 2012. أمّا هنية، فجاء إعلانه في خطاب في صفاقس أمام التونسيين، من على منصة حركة النهضة، فبشرّهم بقوله: "نحن محاصرون أيها الإخوة في غزة. ولأكثر من خمس سنوات، لم نأخذ أموالا من أميركا، ولم نأخذ أموالا من أوروبا، ولم نأخذ أموالا من الغرب. استلمنا الحكومة وكان عليها 2 مليار دولار ديون. أقول لكم أيها الإخوة والأخوات، إنّ الحكومة اليوم لا يوجد عليها دولار واحد دين".اضافة اعلان
ما هو غير واضح، هل سدد هنية الديون؟ أم كيف انتهت؟ ظاهر الحديث أنّه فعل، وهذا إلى حدٍ ما معجزة، ولكنها تحتاج توضيحا حتى لا يشكك فيها أحد. كما أن هذا يثير تساؤلات عن حقيقة الوضع المعيشي في غزة، والأزمات المتكررة في الدواء والكهرباء وغيرها، لماذا هي كذلك إذا كان الوفر موجودا؟ وأي حكومة يعني؟ فحكومتاه في العامين 2006 و2007 تجمعان الضفة الغربية وقطاع وغزة، ودينهما واحد، فهل اعتبر دين الحكومة مسؤوليته حتى بعد الانقسام، تماما كما اعتبرت وزارة المالية في رام الله أنها مسؤولة فسددت رواتب الموظفين في غزة، وغطت وتغطي الكثير من الشؤون العامة هناك؟ فهل سدد هنية ديون
رام الله التي استلمها باستلام الحكومة، رغم أنّ الجميع، بمن فيهم حكومة
رام الله، اعتبروا أنفسهم مسؤولين عن وراثة التزامات الحكومات السابقة؟! أم ما الذي حصل؟ هل يقصد هنية أنّه بدأ من الصفر ولم يقع في ديون؟ وإذا كان يمكن أن نغفل السؤال عن مصدر الأموال التي سدد منها، باعتبار ذلك من أسرار المقاومة، فمن هم الدائنون الذين سدد لهم؟ هل سدد مثلا للهيئات والبنوك والمتعاقدين الموجودين في الضفة الغربية؟ وهل سقطت هذه الديون عن كاهل الشعب الفلسطيني، وحكومتيه المقالة والمستقيلة؟ وهل يعلم فياض أن هنية قد قضى عنه ديونه؟
حاولت استقاء المعلومات من موقع وزارة المالية في غزة، فلم أجد موازنات، ولم أجد قوائم مالية، ووجدت رسالة إعلامية مصورة في فيديو، فيها عبارة أنّ العامين الماضيين "هما الأصعب منذ تولي الحكومة العاشرة مهامها". وتتضمن "الإفصاحات" الموجودة على الموقع تكريم الوزارة لموظفين متقاعدين، وإطلاق موقع الكتروني جديد، وزيارة وفد علماء أهل السنة، وزيارة حجاج موظفي وزارة المالية، واجتماع مجلس الإيرادات مع وفد الغرفة التجارية، وصور دبكة لحفل الوزارة الترفيهي بمناسبة عيد الأضحى، وصور أخرى. وتحت باب إنجازات الوزارة، تجد مهامها اليومية والسنوية، ومنها "إعداد ميزانية المحافظات الجنوبية (أي غزة) للعام 2012"، ولم نجد الميزانية. في الواقع، كنتُ أتوقع أن أجد في موقعها شيئا شبيها بما جاء في موقع وزارة
رام الله من إحصاءات وبيانات وأرقام مالية.
بعيدا عن موقع الوزارة في غزة، فإنّ وكيل الوزارة إسماعيل محفوظ، قال في مؤتمر صحفي مؤخرا، إن زيادة في الميزانية سببها "رصد مخصصات لصرف متأخرات سنوات سابقة وتنفيذ العديد من الترقيات وصرف العلاوات الإدارية". والسؤال أليست "المتأخرات" ديوناً؟!
تحسن الوضع الاقتصادي في غزة العام الماضي، خصوصا مع تراجع الحصار، نتيجة تغير النظام في مصر، ونتيجة التهدئة مع إسرائيل التي خففت الحصار أيضا. ولكن هناك فقرا وبطالة ومشكلات كثيرة، يتحمل الاحتلال مسؤوليتها، واقتصاد غزة لا ينفصل عن الضفة، فالحصار على احداهما يضرب الاثنتين، كما أن جزءاً من اقتصاد غزة قائم على ما تدفعه حكومة فياض. فما الذي يقصده هنية؟

[email protected]