عدالة الضرائب

سلامة الدرعاوي يختلط الحابل بالنابل عند حديث البعض عن الضرائب ومدى عدالتها على المكلفين، فالغالبية، منهم تردد ان الغني والفقير يدفع نفس معدّلات ضريبة المبيعات، وهذا وصف فيه ظلم للفقير ومتوسط الحال على حد سواء. وآخرون يرون في ضريبة الدخل هي الاخرى ظالمة، وفيها غبن على المكلفين، وهي لا تتتاسب أبدا مع الأوضاع الاقتصاديّة الراهنة. أولا على الجميع ان يفرق بين ضريبة الدخل وضريبة المبيعات، وثانيا ان يفرق في الحديث بين عدالة الشمول الضريبي وبين معدّلات الضريبة ذاتها في الحديث عن بياناتها. بالنسبة لضريبة الدخل هي من اسمها ضريبة على الدخل المتحقق بالنسبة للشركات والأفراد الذين يتولد لهم دخل عند مستوى محدد بموجب القانون، وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة الى ان الضريبة على الافراد او ما يعرف بالمستخدمين – الموظفين العاملين في القطاعين العام والخاص– أكثر من 87 % منهم لا يدفع ضريبة دخل، لأن دخله الإجمالي الشهري أقل من 800 دينار، وبالتالي لا يخضع للضريبة، بالعكس هؤلاء يحصلون على رديات تدفع لهم خلال العام الواحد تبلغ قيمتها الإجمالية بحدود 30 مليون دينار. اما باقي فئات الموظفين الذي يملكون دخلا اعلى من ذلك والذين لا يشكلون سوى 13 % من العاملين في القطاعين فهم يخضعون للضريبة الدخل حسب الشرائح المنصوص عليها بالقانون. اما الشركات فالأمر واضح لها ولا لبس فيه، من يربح يدفع ضريبة حسب ما هو منصوص عليه في القانون، ولا توجد شركة خاسرة دفعت ضريبة كما يصور البعض، فهذا ضرب من الجنون بالنسبة لضريبة الدخل. وقد يكون السؤال الاصح في هذا الامر هو عن النسب الضريبية المفروضة هل تتناسب مع الدخل، او انها تحتاج الى اعادة نظر؟، وهذا الامر قابل للنقاش والحوار. أما بخصوص ضريبة المبيعات فقد كثر الحديث بوصفها أنها غير عادلة باعتبار ان نسبتها البالغة 16 % يدفعها الغني والفقير على حد سواء. طبعا هذا الكلام فيه انحراف بالوصف الحقيقي لضريبة المبيعات ولهيكلها، وهو أقرب للخطاب الشعبوي. فضريبة المبيعات هي ضريبة على الاستهلاك للسلع والخدمات، ومن يستهلك أكثر يدفع أكثر، وبالتالي فإن ذوي الدخول المرتفعة هم من يدفعون ضريبة مبيعات أكثر بحكم ان استهلاكهم أكثر، والفقير ومتوسط الحال يدفع أقل بحكم ان دخله قليل، مع العلم ان هناك اكثر من 230 سلعة أساسية معفاة من ضريبة المبيعات أو أن ضريبتها أقل من 4 %، غالبية هذه السلع يستهلكها ذوو الدخول المحدودة والمتوسطة، أما أصحاب الدخول العالية يستهلكون سلعا اكثر وغالبيتها مفروض عليها ضريبة مبيعات عالية تصل إلى الحد الأعلى منها. إذا أين الخلل في القضية الضريبيّة؟، وما هي الاتجاهات الصحيحة للنقاش حولها؟. في الماليّة العامة تشكّل إيرادات ضريبة الدخل التي تبلغ قيمتها الإجمالية في سنة 2021 ما يقارب الـ(1.15 مليار دينار) تشكّل 25 % من مجمل الإيرادات الضريبيّة، في حين تشكّل ضريبة المبيعات ما نسبته 75 % من ذلك الهيكل، حيث تبلغ ما مقداره (3.948 مليار دينار)، هنا من ناحية اقتصاديّة يوجد خلل في الوعاء الضريبيّ، فالأصل ان تكون النسبة الإجمالية لضريبة الدخل اعلى بكثير مما هي عليه الآن، وهذا لا يتم الا من خلال توسيع قاعدة المكلفين، والحد من التهرّب الضريبي، والاستمرار في الإصلاح الضريبي. النقطة الاخرى التي تستحق النقاش هي عن حقيقة عدالة الاقتطاع الضريبي في الأردن، فضريبة المبيعات هي 16 % وهي فعلا نسب عالية، والمنطق يقتضي انه في حال تنوع مصادر الدخل للخزينة، وفي حال وجود مرونة نسبية في إيراداتها ونموّ الاقتصاد الوطني لمستويات آمنة، فإن إعادة النظر في معدّلات الضريبة الراهنة أمر ضروري لتعزيز الامن المعيشيّ للمواطنين، علما ان بعض الدول في العالم ضريبة المبيعات لديها 18 %. والأمر يقود لذات الحديث عن ضريبة الدخل على بعض الشرائح لحمايتها الاجتماعيّة والمعيشية على حد سواء وهذا الأمر ايضا ضرورة ملحة لدراسته من قبل الحكومة في مرحلة معينة. عدالة الضرائب في الأردن لا يكون بالحديث الشعوبي، بل بدعم عمليات الإصلاح الضريبي ومكافحة التهرّب الضريبي بكافة أشكاله، وتحقيق العدالة القانونية في الشمول الضريبي، ودراسة العبء الضريبي في الوقت الذي تمتلك الخزينة فيه مرونة كافية للتحرك باتجاه تخفيضها على الشرائح الاجتماعيّة المختلفة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان