عدس وكستناء وبطاطا مشوية

الاجواء باردة، وربما منذ سنين لم يكن فصل الشتاء بهذه البرودة، تلك الاجواء مثالية للجلوس حول التدفئة بشتى انواعها، فالمدافئ انواع منها المركزية التي تعمل بالغاز او بالديزل، ومنها العادية التي تعمل بالغاز او الكاز، وهناك من يتدفأ على الحطب، وهناك أيضا من يكون الحرام فقط تدفئته الوحيدة لضيق ذات اليد، واعتقد جازما ان هناك من لا يجد حراما يتدفأ به.اضافة اعلان
اجواء الشتاء ايضا مثالية لاكلات مختلفة، فالعدس بانوعه سيد فصل الشتاء بلا منازع، فهو فضلا عن كونه لحم الفقراء الا انه يحضر بقوة في فصل الشتاء على موائد الأردنيين، وتحضر ايضا البطاطا المشوية سواء العادية او الحلوة، وكانت سابقا تحضر الكستناء، بيد ان حضورها بات يتلاشى رويدا رويدا لارتفاع أسعارها الذي بات خارج نطاق قدرة سواد الأردنيين.
سابقا، فصل الشتاء كان جميلا، وله طعم ومذاق مختلف عن الايام الحالية، فالناس كانت اكثر حميمية وقربا من بعضها البعض، والجيران كانوا يشعرون بجيرانهم ويعرفون عنهم تفاصيلهم دون تكلف او تمنن، والكستناء كانت ارخص، وكذلك الكاز وغيره من مستلزمات الشتاء القارص، والدينار كانت قيمته اعلى، وكان الدينار عندما يخرج من جيب المواطن يؤمن بعض المستلزمات، اما اليوم فان وجد الدينار في الجيب فانه لن يؤمن اكثر من كيلو خبز وكيلو بندورة على اكثر تقدير.
روعة الشتاء، وخاصة وقت الثلج باتت اقل تأثيرا، حتى ان اغنية فيروز عن الثلج (تلج تلج عم بتشتي الدنيا تلج) باتت تطرب لها الأذن دون ان نشعر بدفء معانيها التي كنا نشعر بها في وقت سابق، والتي كانت تحمل في ثنايا هذا الصوت الفيروزي الصافي حالة انسجام بيننا وبين فصل الشتاء، وقتها كان لا بأس لو ارتأى التلفزيون الأردني اعادة مسرحية كوميدية قديمة، فالكل سيجلس ويضحك ويتمتع، ولن يخرج احد لينتقد التلفزيون لانه اعاد مسرحية قديمة في وقت الثلج، فالكل كان يتحلق حول المدفأة مهما كان نوعها، ويشاهد ويضحك، وكان لصوت فيروز حضور مبهج، يجعل المستمع يحلق معه في الافق.
اختلفت الايام، وارتفع منسوب الثقل المادي الذي يرزح تحته المواطن، فالثلج لم يعد الضيف المرحب به دوما، واعتقد ان حكوماتنا في الفترة الاخيرة انضمت للمواطنين الذين لا يرحبون كثيرا بالزائر الابيض، فالمواطن يثقل الثلج كاهله ماديا، ويجعله يتحمل مصاريف اضافية فيرتفع مصروف الكاز والغاز وحتى المواد الغذائية، اما الحكومة فان الثلج سيكشف عيوب استعداداتها، ويكشف لنا خللا في اماكن كانت مستورة وغير مرئية لولا قدوم الثلج وكشفها، وهذا ما حصل في ثلجات سابقة، اذ كانت جهات مختلفة تثقب آذاننا قبل المنخفضات الجوية وهي تتحدث عن الاستعدادات التي تقوم بها، وعند حدوث الامر يتكشف ان تلك الاستعدادات كانت ورقية فقط ولم يكن لها حضور على ارض الواقع.
من قال (ساق الله على ايام زمان) لم يكذب، فايام زمان كانت الامور ابسط، ومستوى الحب بين الناس اعمق، ورجالات الدولة ومسؤوليها اكثر اطلاعا وحضورا، سواء اتفقنا معهم او اختلفنا، والحكومات كان عجز موازنتها اقل، ومسؤوليتها الاجتماعية اكبر، فكانت تؤمن بالتعاونيات والمؤسسات الغذائية، وتؤمن ان الزراعة مهمة كما الصناعة، وان العامل الذي شاهدناه وهو يناظر مباراة منتخبنا مع استراليا في كأس امم آسيا، وجوده مهم كأهمية الفلاح والمعلم والصحفي والمهندس والطبيب والجندي، وان اهمية اليد التي تبني في البلد توازي اهمية اليد التي تحمل السلاح، وقتها كانت المسؤولية الاجتماعية للحكومات موجودة، وحتى رعايتها الصحية والتعليمية والتربوية والخدمية اكثر.
نعم؛ للشتاء حضور، وللثلج رونق، ولصوت حبات البرد وهي تتدحرج كاللؤلؤ سيمفونية جميلة، ولكن تلك المشاعر باتت اقل، فهم الناس بات اعمق بكثير من وداعة الشتاء ورومانسية الثلج، فالفقر اصبح اوسع والبطالة ضربت كل بيت، والقدرة الشرائية اقل والرواتب ثابتة، فالشتاء في بلدي هذا العام يحضر بالعدس فقط، ولا عزاء للفقراء فليس بمقدورهم شراء الكستناء.