عدم حبس المدين.. هل يدفع طلبة المدارس الخاصة الثمن؟

طلبة في غرفة صفية بإحدى المدارس- (أرشيفية)
طلبة في غرفة صفية بإحدى المدارس- (أرشيفية)
آلاء مظهر عمان – يضع مشروع قانون التنفيذ المرتقب أولياء أمور الطلبة وأصحاب المدارس الخاصة أمام خيارات صعبة ذات كلف على الطرفين. فمنع حبس المدين في المشروع الجديد، قد يفرض على المدرسة الخاصة الانتقاء بين الطلبة القادرين على تسديد أقساطهم المدرسية وتجنب غير القادرين على التسديد، في حين أن ذوي الطلبة سيجبرون على توفير المال النقدي “الكاش” بشكل فوري قبل بداية العام الدراسي واللجوء للقروض البنكية مما يعني ذلك مزيدا من الديون عليهم. وكان مجلس النواب أقر مؤخراً مشروع قانون المعدل لقانون التنفيذ لسنة 2022 والذي تضمنت تعديلاته عدم حبس المدين إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المحكوم به عن 5 آلاف دينار شريطة ألا يكون بدل إيجار أو حقوقاً عمالية. مدير عام مدارس العروبة الاستاذ نعيم دحبور قال إن جزءا كبيرا من أولياء الأمور ملتزمون في تسديد الأقساط المدرسية لأبنائهم بشكل كامل أو من خلال الشيكات أو عبر تقسيط القسط المدرسي على مدار العام الدراسي في المقابل الجزء الآخر غير ملتزم بعملية السداد ويماطل فيها. واعتبر أن قضية تحصيل المدارس للذمم المالية المترتبة على أولياء الأمور تعد مشكلة قديمة جديدة تعاني منها المدارس كل عام دراسي، ولكن مع صدور قرار بعدم جواز حبس المدين سيضاعف هذه الاشكالية لدى المدارس وسيجعل أولياء الأمور يتراخون ويتهربون من عملية الدفع. وبين دحبور أن الحل الوحيد للمدارس لتحصيل المبالغ المالية هو إقامة الدعاوى القضائية، معتبرا أن رفع الدعاوى القضائية ليست حلا مناسبا كونها تشكل عبئا مالياً على المدارس فضلا عن المدة الزمنية التي تستغرقها كل قضية ليصار في نهاية المطاف إلى تقسيط المبلغ المالي على ولي أمر الطالب. وأكد دحبور أن المدارس الخاصة خلال الفترة الماضية بما فيها جائحة كورونا واجهت أزمات مالية نتيجة لعدم التزام أولياء الأمور بتسديد المستحقات المالية المترتبة عليهم، ما جعل المدارس تعاني من أزمات مالية وهذا القرار سيفاقمها. وأشار دحبور إلى أن المدارس أمام أزمة حقيقية هذا الفصل والعام الدراسي المقبل حيث ستلجأ لتوقيع أولياء الأمور على “كمبيالات” من أجل ضمان حقوقها المالية كون هناك بعض الممارسات التي ينتهجها بعض أولياء الأمور للتهرب من السداد، تتمثل في نقل أبنائهم من مدرسة لأخرى كل عام مقتنصين وجود فقرة في نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية تمنع المدارس الخاصة من حجز ملف الطالب أو حرمانه من التعليم لأمور مالية. ونصت الفقرة ب من المادة 12 من نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية، على” لا يجوز للمؤسسة حجز ملف أي طالب وحرمانه من التعليم اثناء العام الدراسي، وفي حال عدم التزام ولي أمره بتسديد الرسوم الدراسية المترتبة عليه، للمؤسسة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقها المالية وفق العقد المبرم بين الطرفين، ويحق لها عدم تسجيل الطالب في العام الدراسي المقبل بسبب عدم تسديده للالتزامات المالية المترتبة عليه بمقتضى العقد المبرم بينه وبين المؤسسة عن السنة او للأعوام السابقة”. وتابع دحبور ان هذا الأمر يدفع بالعديد من المدارس للتنازل عن مستحقاتها المالية الكاملة والقيام بمخالصات من أجل تحصيل جزء من حقوقها. وأوضح دحبور أن المدارس في ظل قرار عدم حبس المدين ستضطر لعدم قبول الشيكات أو التقسيط والتوجه لتوقيع أولياء الأمور على كمبيالات من أجل ضمان حقوقها المالية. وأشار إلى أن استمرار الوضع كما هو الآن سيضع 30 % إلى 70 % من المدارس الخاصة تحت تهديد إغلاق أبوابها العام الدراسي المقبل، نتيجة لمعاناتها من ظروف مالية صعبة جراء إحجام بعض أولياء الأمور عن تسديد المستحقات المالية المترتبة عليهم، والأمر الذي يجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية. ومن الناحية القانونية، يرى المحامي عبد الرحيم الحياري أن مشروع قانون العقوبات المعدل ألغى الحماية الجزائية على الشيكات بعد مرور 3 سنوات على نفاذ القانون وبذلك فانه لا محل لتطبيق أحكام المادة 421 المتضمنة حبس المحكوم عليه بحال إصدار شيك لا يقابله رصيد أو كتابته بصورة تمنعه من الصرف، وعليه فان حجية الشيك تصبح بعد مرور 3 سنوات على نفاذ أحكام القانون المعدل لقانون العقوبات مساوية للكمبيالة من حيث تطبيق أحكام القانون عليها. وأشار الحياري لـ”الغد” أن الكمبيالة والشيك يعتبران سندا تنفيذيا (تجاريا) ولا يتم حبس المدين في حالات معينة رسمها مشروع قانون التنفيذ المعدل وخاصة بحالة عدم بلوغ الدين 5 آلاف دينار، وكذلك بحالة وجود موجودات لدى المدين تكفي لسداد الدين. بدوره، قال مدير العام مدارس الرأي وكينغستون الدكتور محمد أبو عمارة إن الأقساط المدرسية لجل المدارس الخاصة تصل إلى ألف دينار باستثناء بعض المدارس التي تزيد على ذلك. وأضاف أن المدارس قبل جائحة كورونا من حيث تحصيل مستحقاتها المالية كانت في تعثر نقدي فكان بعض أولياء الأمور يمتنعون عن تسديد المبالغ المالية المستحقة عليهم نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها، فكانت المدارس تلجأ في هذه الحالة إلى القانون حيث أن غالبية المدارس توقع أولياء الأمور على اتفاقية تسديد تتضمن هذه الاتفاقية على كمبيالة أو سند دين وهي ملزمة بالدفع لولي الأمر في حال تخلفه عن الدفع. وأشار أبو عمارة أن قائمين على المدارس أو الأمور المالية كانوا يأخذون هذه الكمبيالة او السند لقسم التنفيذ في المحاكم ويحكم القضاء على المدين مباشرة بدفع هذه المبالغ أو الحبس الاجرائي، وكان أولياء الأمور محجمين عن الدفع أو غير متعثرين ماليا يبادرون بتسديد المبالغ المالية المستحقة عليهم خوفا من تعرضهم للحبس الاجرائي. وبين أبو عمارة أن عملية تحصيل الذمم المستحقة على أولياء الأمور تستغرق وقتا قد تمتد لعدة سنوات خاصة في حال كان المشتكى عليه خارج المملكة. وأكد أن الغالبية العظمى من المدارس الخاصة في المملكة اقساطها دون 5000 دينار وبالتالي لا ينطبق عليها قانون حبس المدين، وهذا الأمر سيجعل استثماراتها في “مهب الريح”. ولفت إلى اجتماع عقد خلال الفترة الماضية بين أصحاب المدارس لمناقشة هذا الأمر وتم الاتفاق على اتخاذ مجموعة من الخطوات لضمان حقوقهم المالية متمثلة بقيام ولي الأمر بدفع 50 % من القسط المدرسي نقدا وبشكل مقدم وعلى أن يودع ما تبقى من المبلغ المالي على شكل شيكات بنكية وهذا القرار سيترتب عليه ان تخسر المدارس الخاصة جزءا كبيرا من طلبتها ولكنها مجبرة للمضي قدما صوب هذا القرار من أجل ضمان حقوقها المالية. وبين أبو عمارة أن هذا الإجراء الذي ستضطر المدارس الخاصة إلى تطبيقه اعتبارا من العام المقبل سيشكل عبئا كبيرا على ولي الأمر الطالب الذي لا يمتلك القدرة المالية على دفع نصف المبلغ المالي بشكل نقدي وفوري بداية العام الدراسي خاصة وان كان لديه أكثر من طالب في مدرسة خاص الأمر الذي سيدفع ولي الأمر لنقل أبنائه للمدارس الحكومية أو اللجوء للاقتراض من البنوك وبكلا الحالتين يشكل ذلك اشكالية لأولياء الأمور. وأكد أبو عمارة أن هناك اشكالية أخرى سيواجهها أولياء الأمور تتمثل بعدم قدرة كافة أولياء الأمور على استخراج شيكات أو دفتر شيكات من البنوك لأسباب متعددة. واعتبر أبو عمارة أن المتضرر بالدرجة الأكبر من الموضوع هو الطالب الذي لن يتلق تعليمه كما كان معتادا عليه في الأعوام الماضية، حيث أن كثيرا من أولياء الأمور سيقومون بنقل أبنائهم الذين يدرسون في مدارس دولية إلى مدارس خاصة تعتمد البرنامج الوطني ومن مدارس خاصة إلى اخرى ذات قسط مدرسي أقل. ونوه أبو عمارة أن السواد الأعظم من المدارس الخاصة سترفض التعامل مع ما تبقى من القسط المدرسي على شكل كمبيالات وسيقتصر الأمر على الشيكات البنكية، كونها وسيلة آمنة وستضمن حق المدارس كونها في حال تم ارجاعه سيتحمل ولي الأمر غرامة مالية وما الى ذلك. وأوضح ابو عمارة أن عملية الاستثمار في التعليم الخاص أصبحت غير مجدية، اذ أن هناك عددا كبيرا من المدارس يعتزم أصحابها إغلاقها مطلع العام المقبل والهجرة للخارج. وشاركتهم بالرأي، المديرة العامة لأكاديمية لوريت في إربد الدكتورة ميساء خضير التي أشارت إلى أن المدارس الخاصة ستلجأ لضمان حقوقها المالية في ظل وجود قرار بعدم حبس المدين الى الإصرار على تحصيل القسط المدرسي بشكل نقدي قبل بداية العام الدراسي. وبينت خضير لـ”الغد”، أن المدارس الخاصة تسعى لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة لديها ولكن في هذه الحالة ستضطر المدارس الى إنتقاء طلبتها ممن يوفي ذويهم بالسداد. وقالت خضير إن هذا القرار سيسهم في تقليل عدد الطلبة في المدارس الخاصة نتيجة عدم قدرة أولياء الأمور على دفع القسط المدرسي بشكل نقدي وفوري، ما سيدفع بالمدارس إلى تقليص الشعب الصفية وبالتالي تقليص عدد المعلمين والإداريين في المدرسة. واتفق معهم بالرأي، صاحب مدارس الأفكار الراقية ومقرر لجنة قطاع المؤسسات التعليمية في غرفة تجارة الأردن عامر القصص الذي رأى أن أولياء أمور الطلبة سيواجهون إشكالية حقيقة بداية العام الدراسي المقبل تكمن بمدى قدرتهم على دفع القسط المدرسي كاملا أو نصفه بشكل نقدي ودفعة واحدة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها. وأضاف القصص أن المدارس الخاصة مجبرة على اللجوء لهذا الخيار من أجل صون حقوقها المالية في ظل وجود قرار يقضي بعدم حبس المدين. ولفت القصص الى أن أولياء الأمور وبسبب قانون عدم حبس المدين سيكونون أمام خيارين إما نقل أبنائهم الى المدارس الحكومية أو لمدارس خاصة أخرى تقدم لهم تسهيلات أو الاقتراض من البنوك. وأكد القصص أن إحدى الخيارات التي طرحتها لجنة قطاع المؤسسات التعليمية في غرفة تجارة الأردن على وزارة التربية والتعليم مؤخرا لمعالجة هذه القضية تكمن في إضافة فقرة جديدة على المادة 12 من نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية تنص على عدم قبول أي طالب جديد دون إبراز الذمة المالية من المؤسسة القادم منها وإبراز آخر شهادة دراسية له. وبين أنه وفي حال قبول المدرسة للطالب دون هذين الشرطين تغرم المؤسسة كافة الأموال المترتبة على الطالب المقبول لصالح المؤسسة المنقول منها خلال شهر من قبوله. وراى القصص أن إضافة هذا البند مع إجراء بعض التعديلات “بنظام التأسيس والترخيص” سيسهم في الحفاظ على حقوق المدارس الخاصة والتخفيف من الضغوطات التي سيواجها أولياء الأمور الذين لن يتمكنوا من دفع القسط المدرسي بصورة نقدية فضلا عن مساهمتها في التقليل من انتقال الطلبة الى المدارس الحكومية لعدم قدرة ذويهم على تأمين القسط المدرسي بصورة نقدية وآنية بداية الفصل الدراسي. في هذا السياق، أكدت مديرة إدارة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم الدكتورة نوال أبو ردن أن العلاقة التعاقدية بين ولي أمر الطالب والمدرسة تعتبر علاقة قانونية بحتة وأي خلاف يتبع للقضاء. وبينت ابو ردن في تصريح لـ”الغد”، أن الوزارة أصدرت مؤخرا تعميما لمديري ومديرات المدارس الخاصة أكدت فيه على ضرورة الإلتزام بالتشريعات التربوية وعدم حرمان الطالب من التعليم أو إخارجه من المدرسة أو حرمانه من تأدية الاختبارات المدرسية. وأوضحت ابو ردن أن الطالب يجب أن يكون بمنأى عن الأمور المالية وليس طرفا في أي أمور مالية مترتبة على أسرته، نتيجة للأقساط المدرسية. وأشارت أبو ردن إلى أن للطالب الحق بالتعليم وخوض الامتحانات والحصول على شهاداته وعلاماته، وللمدرسة الحق بتحصيل الأقساط المدرسية، لكن الحق الأخير محكوم لعقد بين المدرسة وذوي الطالب، له بعد قانوني لا علاقة للطالب به. وقالت أبو ردن إن العديد من المدارس الخاصة قامت بتقديم تسهيلات لأولياء الأمور من أجل تسديد الذمم المالية المستحقة عليهم عبر دفعها على شكل دفعات على مدار أشهر وتستمر حتى في العطلة الصيفية وليست مرتبطة بنهاية الفصل الدراسي، مشيرة الى أن العديد من المدارس عالجت القضايا المالية لديها بالتفاهم مع أولياء الأمور دون اللجوء للقضاء. وأضافت أن أولياء الأمور يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار أن المدارس الخاصة لديها كلف تشغيلية وراتب للعاملين لديها وبحاجة الى تأمينها فيجب على ذوي الطلبة المبادرة في تسديد المستحقات المالية المترتبة عليهم لأنه في حال تخلفهم عن ذلك سيشكل ذلك عبئا ماليا للمدارس لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

إقرأ المزيد : 

اضافة اعلان