عذرا "مَلَك".. عالمنا ليس للفقراء!

أربعون يوما قضتها بعيدة عن حضن أمها، محرومة من حليب صدرها، فقط لأنها ولدت لعائلة فقيرة معدمة، ولأنها محكومة منذ ما قبل الولادة بأجنبية والدها، وعدم حمله رقما وطنيا يمكن أن يوفر لها تأمينا صحيا، ودفع كلفة ولادتها وإقامتها لبضعة أيام في خداج مستشفى البشير!اضافة اعلان
لكن القصة ليست في الفقر وغياب الرقم الوطني؛ القصة في "سجن" واحتجاز رضيعة في مستشفى بين ظهرانينا، كمجتمع ودولة، بل ومنع والدتها من رؤيتها واحتضانها، للضغط عليها لتأمين قيمة فاتورة المستشفى قبل استلام "الرهينة"!
الرضيعة "ملك" قيض الله لها "أولاد الحلال" لفك حجزها، بعد أن أثارت قضيتها أول من أمس إذاعة "حياة إف إم"، عبر برنامج الزميل هشام خريسات "صوت حياة"؛ وليتم تأمين 2400 دينار هي قيمة فاتورة مستشفى البشير المترتبة على والدي الطفلة لقاء الولادة والخداج! بعد أربعين يوما من الاحتجاز، ومنع الوالدة من رؤية رضيعتها في بلد يتشدق ليل نهار بحقوق الإنسان والطفل، وبحكم القانون والدستور!
قصة "ملك" ليست الوحيدة، ولم تكن الأولى ولا الأخيرة؛ فمثلها قصص كثيرة لا تصل الإعلام والرأي العام أخبارها، وكأن أصحابها وأبطالها قد فقدوا الأمل في وجود عدالة أو قانون أو إنسانية على هذه الأرض، ليبثوا شكواهم!
قبل نحو عشرة أعوام، كتبت في صحيفة "العرب اليوم" عن قصة الرضيعة "أميرة". وهي طفلة وليدة احتجزها مستشفى خاص حينها بعد عجز والدها عن تأمين نحو ألف دينار، فاتورة الخداج. يومها، حُرمت الأم أيضا من رؤية رضيعتها لنحو أسبوعين، ولم تجدِ كل محاولات الأب المصدوم، وتقدمه بشكاوى لمديرية الصحة والمحافظ والنائب العام، في الإفراج عن الرضيعة السجينة!
صديق وزميل آخر، وقبل سنوات قليلة أيضا، فُجع بوفاة وليده في أحد المستشفيات الخاصة، بعد أن أمضى الرضيع عدة أيام في الخداج، وليتراكم على الأب نحو ألفي دينار. ولجأ المستشفى حينها إلى حجز الجثة لحين دفع كامل قيمة الفاتورة، رافضا قبول كمبيالات أو شيك بقيمة المتبقي من المبلغ الذي أصر المستشفى على تسديده نقداً، قبل أن نثير القضية في الصحافة ويتدخل وزير الصحة!
هل يمكن لعقل إنسان تصديق أن مستشفيات حكومية أو خاصة في الأردن تلجأ إلى احتجاز أطفال ورضّع بسبب عدم قدرة الأهل على الدفع؟! وهل يمكن تصور "السادية" وحجم خرق القانون والدستور، وكل مواثيق الأرض، بحرمان أم من احتضان رضيعتها، فقط لمجرد أنها فقيرة ولا تملك المال؟!
عن أي قانون ودستور نتحدث إن كان مدير مستشفى حكومي أو مالك مستشفى خاص، قادرا بجرة قلم على إصدار حكم بحبس رضيعة؟! وكيف للقضاء أو النائب العام، أو أي مسؤول حكومي مكلف بإنفاذ القانون، أن يصمت أو لا يتحرك عندما يتناهى إلى سمعه، عبر إعلام أو إذاعة أو بشكوى أو غير ذلك، قيام مستشفى بحجز طفل أو جثة لأيام؟! هل يسمح الدستور الأردني والقانون لغير القضاء بحجز حرية أي إنسان؟!
كل مقالات وأخبار الدنيا، وكل أموالها، لا يمكن أن تعوض "ملك" عن الحرمان القسري لها من حضن أمها لثانية واحدة من الزمن.
فعذرا "ملك".. عالمنا ليس للفقراء.