"عرس ديمقراطي" بلا شباب!

لا يختلف المشهد على مشارف الانتخابات النيابية المقبلة كثيرا عنه في الانتخابات بدوراتها الاخيرة السابقة، فيما يتعلق بدور الشباب تجاه هذه الانتخابات والمشاركة فيها. الصورة العامة ما تزال تثير التشاؤم على هذا الصعيد.اضافة اعلان
فثمة من جهة، عزوف شبابي واضح عن الانخراط الايجابي بالحراك الانتخابي وحديث واسع بين اوساطهم عن نية المقاطعة للانتخابات والتصويت فيها، ومن جهة اخرى، ثمة تكريس لظاهرة، يمكن تسميتها بـ"خصخصة" الاشتباك الشبابي مع استحقاق أهم انتخابات سياسية ووطنية، والتعامل معها باعتبارها فرصة فردية للعمل أو الدخل المؤقت، او للبروز على مستوى العشيرة أو العصبية القبلية!
بمتابعة بعض التقارير الصحفية ورصد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، يلمس المراقب أن حالة السلبية من قبل الشباب، وغيرهم طبعا من شرائح مجتمعية، ما تزال هي السمة العامة، والتي كان يمكن تلمسها في مواسم انتخابية سابقة. ثمة خطاب شبابي متشائم من القدرة على التغيير عبر المشاركة بالانتخابات، وطغيان للشعور باللاجدوى من تطور التجربة النيابية، وبما يخرج الناس من حالة الإحباط وعدم الثقة التي جرّتها تجارب مجالس النواب الاخيرة السابقة، ناهيك -طبعا- عما تركته سلسلة من التدخلات الرسمية السابقة، المباشرة وغير المباشرة، في الانتخابات، من فقدان للثقة الشعبية.
والسلبية والاحباط الشبابي هنا، ينعكسان في اتخاذ موقف سلبي من قضية المشاركة بالانتخابات والاقتراع، بحيث تتراجع نسب المشاركة بالانتخابات، تحديدا في العاصمة عمان وبعض المدن الكبرى. وكذلك فإنها تنعكس ايضا بلجوء أعداد لا بأس بها من الشباب إلى ممارسات خاطئة بتوظيف قدراتهم وعلاقاتهم لخدمة مرشحين مقابل المال أو وظيفة أو "الحظوة" بانتظار فائدة مادية قد تأتي فيما بعد الانتخابات!
واذا كانت مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة بالاقتراع أمرا سلبيا ويضر -بكل المقاييس- بالمصلحة العامة ولا يساعد في اخراج نوعية كفؤة وجيدة من النواب، فإن الوجه الثاني للسلبية الشبابية، بالعمل مع مرشحين مقابل مال ومنافع خاصة، لهو أمر أخطر، ويعمق سلبية الوجه الأول ويمنحه نوعا من المبررات، حتى لو كانت زائفة، بعدم الجدوى من المشاركة، لقدرة من يمتلك المال والحظوة على شراء ذمم الشباب وتوظيف طاقاتهم للفوز والوصول إلى البرلمان، وبالتالي إعادة إنتاج الحالة النيابية السلبية التي كانت دارجة.  ويمكن القول أيضا إن الانحياز الأعمى من قبل شباب، وبناء على العصبية العشائرية أو المناطقية أو غيرها، لمرشح أو مرشحي العشيرة أو البلدة الأصلية أو الطائفة، على حساب الكفاءة والقدرة، هو وجه آخر للمقاطعة أو الوقوف مع مرشح لغايات منفعية. وبالنهاية، فكل هذه النماذج الشبابية تؤدي مواقفها بالانتخابات إلى إعادة إنتاج مجالس النواب غير المقنعة للناس أو القادرة على أداء مهامها التشريعية والرقابية والسياسية.  أسباب هذه الحالة الشبابية السلبية تجاه الانتخابات عديدة ومركبة، لها علاقة بالتجارب السابقة والتدخلات الرسمية وطبيعة قوانين الانتخاب، وأداء النواب والمجالس السابقة، والثقافة العامة، وغيرها من أسباب وعوامل، لكن كل ذلك، لا يعفي كل شاب وشابة شخصيا، من مسؤولية خياره وموقفه من الانتخابات، وضرورة الوعي بأهمية موقف كل شاب سلبا أو ايجابا، تجاه هذه القضية الحيوية لحياته وحياة أسرته ومجتمعه.  كل الأسباب المذكورة بحاجة لمعالجة ومقاربات وطنية لتجاوزها، باتجاه تفعيل المشاركة الإيجابية للشباب في الانتخابات والحياة العامة، لكنني أعتقد أن المطلوب بإلحاح اليوم، وقبل شهرين فقط من يوم الاقتراع، هو لحظة وعي حقيقية من كل شاب وشابة، لكسر الحلقة الشيطانية التي ندور فيها فيما يتعلق بالحياة البرلمانية والسياسية، حيث تتحمل قراراتنا الفردية جميعا في الانتخابات مسؤولية المنتج النهائي المتمثل بمجلس النواب، فيما نعود لاحقا لتبرير العزوف والسلبية تجاه الحياة السياسية والانتخابات بسوء الأداء والدور لمجلس النواب!