عروس من الكونغو الديمقراطية

 أهدَتْني أمّي إلى "ميسون". أظهرتْ جدَّتي لأبي موافقة ممتعضة، كأنّها ابتلعتْ رشفة ليمون، ولما رأتْ بدهاء الجدّات أنّ الأمرَ لم يكن ولن يكون بعد، أضافت "أو" تخييرية غير ملزمة، ثمّ نطقت اسماً مشتقاً من خيوط ثوبها: "بدرية"، وبدا في دقيقتين من الصمت الحذر أنَّ "النصيب" أخذ مكانه في منتصف جبيني تماماً. وهممتُ للخروج من القماط، لولا أنّ جدِّي أصدر "نحنحة" وراءها كلمتان حادتان لا تحتملان حرف عطفٍ أو "غير ملزمة".اضافة اعلان
منحني جدِّي الصارم أنّني لابنة عمّي "إنصاف" التي تصغرني بيومين، وتواطأ الجميع على أن في قراره "عدل"، وما كدتُ أمسكُ لجام الفرس لأنزلها عنه، حتى نهض أبي الذي خرج مبكراً من جلباب أبيه، وقال بـ"بابوية" عليا لا تقبل الردّ، إنّه من المبكر جداً التفكير بـ"عروس" لرضيعٍ، واقترح بحسم تأجيل الأمر حتى أدخل مرغماً مرحلة الفطام. صمتَ، فامتدّ الصمت، ثمّ خدشه بتوصية بدت خاتمة القول، بأنني سأكون زوجاً لابنة لرفيقه الثورجيِّ. ولما سُئلَ عن اسمها، أجاب بهمهمة إنّها لم تأتِ بعد، لأنّ الرفيق العانس لم يتزوّج أصلاً، لكنني حتماً سأكون زوج كريمته الكبرى النكدة "ثورة"، أو الوسطى الحائرة "نضال" أو الصغرى المدللة: "جيفارا".
عدنا إلى البيت، كنتُ طفلاً في الثالثة، لي شعرٌ أحمر، وعينان غير مباليتين، "اشتَهَتْني" الجارة الشاميّة لابنتها "كندة". أجلستني في حضنها وسألتني رأساً لرأس، فأبديْتُ موافقة غير مدروسة، بهزّ الوجه وعبوس الشفتين، وظنَنْتُ أنَّ الزواج قد تمّ بصيغة كاثوليكية، إلا أنَّ الجارة المصرية اختطفتني من حضن أمِّي، ولصقت على خدي قبلة مبلولة، وسألتني رأساً لرأس إنْ كنتُ أرغب بالزواج من ابنتها "سَنيّة" الشريرة، خفتُ أنْ أرفض، حتى أمِّي نظرتْ إليّ مستعطفة، فهززتُ الوجه، وضحكتْ شفتاي، واعتقدت أنَّ الزواج منها قدر فرعوني، إلى أن أتمَمْتُ الخامسة وأنا أحاول فكَّ "نصيبي" من ضفيرة "شيماء" ابنة جارنا السودانيِّ الأرمل "عثمان محمد عثمان".
كبرتُ بدليل أنّه صار بإمكاني أنْ أذهبَ وراء أمِّي إلى المطبخ، وأطلبُ منها أنْ تنزلَ بأذنها إلى مستوى فمي في وقوفي المهتزّ على أصابع قدمي، لأخبرها بالقليل من الكلام والكثير من الزبَد، أنْ تطلبَ لي يد "هبة" السمراء من أمِّها الشقراء، في جلسة العصر المعتادة عند خزان الماء أثناء تقليم رؤوس البامياء، وذكر سيِّئات الجارات الغائبات. أضافتْ الحليب إلى الشاي، وطلبتُ منها زيادة السائل الأبيض، ثمّ نفخَتْ لتبريدها، وذكّرتني بموعد التبوّل الإراديِّ. ومرَّ عام، وكبرتُ أكثر، حتى أمسكتُ بيد أمِّي في اجتماع أولياء الأمور، وذهبت بها إلى طاولة "أبلة سهاد"، وأخبرتُها في الطريق القصير أنني أريدها زوجة، ويبدو أنَّه كان في الأمر شيء من التكافؤ، فقد كنتُ في السابعة و"سهاد" في شهرها الثامن!
في المقعد الأخير في صفٍّ إعدادي مكتظ برائحة البلوغ، حلمتُ بفتاة "التدبير المنزلي" البيضاء الشركسية التي اسمها يحتاج إلى نفسَيْن مكتمليْن لإتمامه، تأتي لي بصينية الفاكهة الاستوائية أثناء مشاهدة جريئة لمسلسل القناة الثانية "الجميلة والوحش"، قرّرتُ الزواج منها قبل أن أتمّ حبة الأفوكادو، وذهبتُ إلى أبي الذي كان فوق الشجرة، ويحتاج مساعدتي لأنزله، وفي الثانوية تزوّجتُ في حصة المطالعة الحرة من طالبة "عين غزال" الفتاة البريّة التي قالت لي إنّ مهرَها "بيت تخفق الأرواح فيه"، وكان بيتاً مهيأً للهروب، إلى المدينة الشمالية، في الجامعة تزوَّجتُ أنا الزرقاوي المغبرّ من ابنة عمّان الغربية، زواجاً غير متكافئ استمرّ عامين على مقهى أسفل عمّان الشرقية!
عدتُ إلى البيت، فتحتُ بيتي الأزرق، طلبتُ يد امرأة وحيدة في "جبيل"، وشفاها تونسية تحفظ كل أغنيات البحر، وجاءني عرض صريح للزواج الحلال من رفيقة مهذبة من "الكونغو الديمقراطية"، وبالتالي كان يحتمل الرفض، لكنني وافقت، وأنا الآن أبو أربع وأربعين زوجة، فيا زوجاتي العزيزات، "ميسون"، و"بدرية"، "إنصاف" و"جيفارا"، "كندة" و"سنية"، "شيماء" و"هبة"، و"سهاد" وكثيرات أسفل أيماني، أرجوكنّ بلطف بالغ أطفئن الضوء، وأغلقن البابَ بهدوء على زوج الوِحْدَةِ.