عسى أن تتعظ الحكومة!

في حوار مع دبلوماسيين أجانب، ننتبه أن عمان من أغلى مدن العالم، وأن كلفة المعيشة هنا جديرة بدولة لا يقل الحد الأدنى للأجور فيها عن ألف دينار شهريا، وليس 190 دينارا. الخلل خطير جدا، وهو يضاف إلى تعثر المؤسسات وتدهور الخدمات في مختلف القطاعات؛ من الخدمات البلدية إلى الصحة والتعليم، والارتفاع الفاحش في أسعار الماء والكهرباء. وعندما كنا نناقش رفع أسعار الكهرباء، ظهر أن الشرائح المتوسطة، وفق الجدول المقرر من الحكومة، تضاهي بلدانا أوروبية مستوى المعيشة والدخول فيها هو أضعاف الأردن.اضافة اعلان
فوق ذلك، تعود الحكومة على أعقابها متنكرة للإصلاح السياسي، وكأنها لا تعترف أن إدارة البلد بالأساليب القديمة قد فشلت، وأن كل شيء يجب أن يتغير، وأن الأوان قد آن ليكون للشعب الكلمة العليا في تقرير شؤون البلاد من خلال حكومات برلمانية منتخبة، تتحمل المسؤولية التي انحصرت حتى الآن بالسلطة المركزية.
لا حاجة لأن نلف وندور بهذا الشأن، فندعي أن لدينا برلمانا يقرر إعطاء الثقة أو حجبها عن الحكومات؛ فالجميع يعرف أن البرلمان والانتخابات مسيطر عليهما، ولا يقرران شيئا أبعد من الهامش المحدد لهما سلفا، وكذلك حال الحكومة. ولذلك، نريد تغييرا حقيقيا من خلال انتخابات حرة فعلا، ونظام انتخابي يتيح إفراز مجلس نواب يمثل الأغلبية الساحقة من الشعب.
لقد تغيرت ثلاث حكومات في عام ونيف، ولم يكن مجلس النواب مسؤولا عن رحيل أي منها أو مجيء بديلها؛ فالقرار حتى الآن يقع في دائرة ضيقة جدا، ويفتقر إلى الشفافية، ورئاسة الحكومة هي مجرد طرف من أطرافه. والإصلاح يعني بالضبط نهاية هذه اللعبة، وهذا ما ننتظره. لكن الطريقة التي أقر بها قانون الانتخاب مثلت استمرارا فاضحا للآليات القديمة، بما يثير الشك بالنسبة لنوايا المستقبل، مع الإصرار على بقاء النظام الانتخابي القديم؛ أي الصوت الواحد.
ولقد شبهت أول من أمس الرد الشعبي المحتمل على قانون الصوت الواحد بالعصيان الانتخابي الذي وقع إزاء قانون البلديات وانتخاباتها. وها قد مر عام تقريبا على الانتفاضة الاستقلالية للبلديات، والحكومة في حالة شلل؛ لا تستطيع أن تقرر، فتؤجل الانتخابات من فصل إلى فصل. لكن بالأمس قرأنا شيئا طريفا: فوزارة البلديات تفكر بالعودة الى مشروع المجالس المحلية الذي طرحناه منذ عام ونصف العام ورفضته الحكومة. وفي حينه لم نستسلم للرفض، وفرضنا رؤيتنا بتعديل على القانون في مجلس النواب، لكن التعديل تم تعطيله من الأعيان، ولم تفلح مناشداتنا للحكومة وللأعيان باعتماده بوصفه البديل الوحيد الإصلاحي والجيد للخروج من مأزق الخيار بين الدمج والانفصال.
ها هي الحكومة تعود بعد عام ونيف من الشلل إلى الخيار الصحيح، بل وتطمح إلى توسيع نطاق التطبيق من مستوى اللواء إلى مستوى المحافظة. ليت شعري لم لا تتعظ الحكومة وتستخلص نفس الدرس لقانون الانتخاب؟!

[email protected]