عشوائية التصريحات الحكومية

رئيس الوزراء، نائبه، وزير التربية والتعليم، وزير الأشغال، وزير الصحة، وزير البلديات، وزيرة الإعلام، وزيرة السياحة، من تبقى لم يدل بتصريحات صحافية بخصوص فاجعة البحر الميت التي راح ضحيتها أطفال أبرياء؟ وإلى جانب هؤلاء المسؤولين عشرات المختصين والموظفين الرسميين كل في قطاعه، جلهم لم يتردد في إعطاء معلومات شابها التسرع في الحكم، وكأنهم يتقاذفون كرة لهب لا يريد أي منهم لمسها، فكانت النتيجة أن العنوان الأبرز لما حدث منذ يوم الخميس، هو التهرب من المسؤولية، والبحث على ما يبدو عن كبش فداء.اضافة اعلان
وفي النهاية كان هناك قرار بمنع النشر في الحادثة بعد فوضى المعلومات التي اقتحمت أسوار مواقع التواصل الاجتماعي.
ربما كانت التصريحات المتعددة تجاه الحادثة تندرج تحت بند الحرص على منح المواطنين انطباعا بأن الحكومة تواكب الحدث، وكلها عزم على اتخاذ إجراءات حازمة تجاه المقصرين والمسؤولين عن الكارثة التي أدمت قلوب الأردنيين. نقول ربما. بيد أن السرعة في الحكم الذي صاحب هذه التصريحات أوقع الحكومة في مطب كان بإمكانها أن تكون أكثر ذكاء في التعامل معه، وتجاوزه دون خسائر، حيث ظهرت وكأن كل ما أرادته هو تبرئة نفسها.
لا أعلم لماذا تصر الحكومة على السير في ذات الخطى؟ فمنذ تشكيلها وهي تعمد إلى اللامركزية في منح المواطن المعلومات، ما أدى إلى حدوث تضارب في بعضها، ولم يعد بمقدور الأردنيين الحصول على تفاصيل الأحداث وتسلسلها الحقيقي إلا بـ"شق الأنفس".
ومنذ فاجعة البحر الميت، تم رصد مئات التصريحات لمسؤولين عمد صحفيون إلى التوجه إليهم للاستفسار عن الأحداث، وفي كل مرة يخرج مسؤول بتصريح غير مكتمل الأركان، ويفتقر إلى أبسط حقوق الحصول على المعلومة. قد يكون ذلك لضآلة ما يمتلكه من معرفة بهذا الشأن، لكن المؤكد أنه لم يكن مطالبا بتقديم إجابة تخرجه مترددا، ومرتعدا خوفا من نتائج قد تنتهي بتحمله تبعات ما حدث.
ولا أعلم أيضا، لماذا لم تعمد الحكومة إلى تشكيل خلية للأزمة، أو إلى إحياء عملية عقد المؤتمرات الصحفية الرسمية، والاشتباك المباشر مع الإعلاميين لوضعهم في صورة أبرز التطورات، وما تملكه من تفاصيل حول الحادثة، الأمر الذي كان من شأنه تنظيم عملية تدفق المعلومات الدقيقة والصحيحة، ووضع حد للعشوائية في إطلاق سيل التصريحات الصحفية التي كان لها تأثير سلبي كبير، وظهر ذلك جليا من خلال اجتهادات المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي بلغت ذروتها في نشر فيديوهات على أنها في الأردن ليتبين لاحقا أنها في دول عربية، إلى جانب نشر صور لأطفال تبين أيضا أنهم أحياء يرزقون.
على الحكومة إعادة ترتيب خطتها الإعلامية في التعامل مع الملفات المحلية، وتحديدا الحساسة منها، التي تحتاج إلى قدر كبير من المسؤولية في التعامل معها لتأثيراتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
ليس من مهمة الحكومة التسابق إعلاميا بشكل غير منظم نحو بث رسائل تشير إلى أن جهة ما تتحمل مسؤولية ما حدث، بقدر أن دورها يكمن في محاسبة المقصرين، وذلك بعد أن تنتهي لجنة التحقيق التي شكلتها لهذه الغاية، وهي لجنة إذا ما أردنا أن نكون منصفين فسنقول إنها ليست حيادية ولا منطقية على الإطلاق!