عصائر الباعة "المتجولين": قنابل تفتك بصحة المشترين

مواطنون يبتاعون عصائر صناعية معروضة على أرصفة الشوارع في شهر رمضان-(أرشيفية)
مواطنون يبتاعون عصائر صناعية معروضة على أرصفة الشوارع في شهر رمضان-(أرشيفية)

تحقيق منى أبو حمور

عمان- يتهافت باعة العصائر الصناعية المتجولون ليتخذوا من قارعة الطرق وأشعة الشمس الحارقة مكانا للترويج لعصائرهم، لجذب العطاشى الباحثين عن الارتواء، على الرغم من أن ارتفاع درجات الحرارية العالية كفيل بتحويل تلك العصائر إلى "قنبلة موقوتة" تفتك بأجسام المستهلكين.  اضافة اعلان
غير أن ضعف الرقابة وقلة وعي المواطن في انتقاء السلعة المناسبة والآمنة، واستهتار العديد من الباعة المتجولين، كل ذلك يساهم في تفشي هذه الظاهرة في الأسواق، رغم تحذيرات صحية مفادها أن هذه العصائر "غير مطابقة للمواصفات، ومياهها قد تكون ملوثة، والنسب المسموحة للمواد المُضافة على هذه العصائر لا تخضع لتعليمات الشركة الصانعة".
كما أن تفاعل درجات الحرارة مع العبوات البلاستيكية المعبأة بعصائر ذات أصباغ اصطناعية، يؤدي إلى تخمر هذه المنتجات وازدياد الأعداد البكتيرية، وهذا بحد ذاته يمثل مشكلة صحية، حسب خبراء في الصحة والغذاء.
بدورها، تحول المؤسسة العامة للغذاء والدواء أي مخالفة لعصائر غير صالحة للاستهلاك البشري، إلى القضاء،  وإتلاف العصائر فورا، وذلك بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى والشرطة البيئية.
أما جمعية "حماية المستهلك" فتطالب بإيجاد مرجعية حكومية للمستهلك، أسوة بمرجعيات التجار والصناع والزراع.
ويجيء ذلك، عقب تجديد الجمعية تحذيراتها المتكررة، خصوصا في شهر رمضان، للمستهلكين، من شراء العصائر التي تعرض على جنبات الطرقات، لعدم ضمان جودتها. 
مدير الرقابة على الغذاء في المؤسسة العامة للغذاء والدواء الدكتور محمد الخريشا، أكد لـ"الغد"، أن الفرق التفتيشية التابعة للمؤسسة تعمل على قدم وساق لإتلاف هذه  العصائر الصناعية المحلاة، التي تتعرض لأشعة الشمس، حفاظا على صحة المستهلكين.
ويضيف أن أي مادة تنتج في مكان غير مرخص تعتبر "هي غير صالحة للاستهلاك البشري حكما، لا سيما تلك التي تحضر في المنازل والبيوت، وقارعة الطريق".
ويطلق على هذا النوع من العصائر، بحسب الخريشا، "عصائر صناعية"، لأنها عبارة عن ماء مضاف إليه نكهات مسموحة، غير أن الخطورة على صحة الإنسان، تكمن في عدم معرفة المستهلك مدى مطابقة مصادره للمواصفات، ونقاء الماء وإن كان ملوثا أم لا، فضلا عن أهمية الالتزام بالنسب المسموحة للمواد المُضافة على هذه العصائر، ووفق تعليمات الشركة الصانعة.
وبحسب الخريشا، فإن عملية "جمع مادتين وتحضيرهما وتداولهما بظروف غير صحية وغير مرخصة وتحت أشعة الشمس يمنع تداولها وبيعها ويجب إتلافها".
وكانت الفرق الصحية حررت منذ بداية شهر رمضان أكثر من (56) مخالفة صحية، ووجهت نحو(100) إنذار، لعدم توافر الشروط الصحية، من خلال (725) زيارة ميدانية، بالتعاون مع الشرطة البيئية والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، وفق الخريشا. 
ويعول الخريشا في هذا الجانب على دور المواطن، كونه يعد شريكا أساسيا في العملية الرقابية في حال غياب الفرق التفتيشية وتعذر وصولها إلى كافة الأماكن، لافتا إلى ضرورة شراء هذه العصائر من المصانع المعنية بإنتاجها وتنتج ضمن المعايير والمقاييس.
ويضيف: "لا تقتصر مخالفات الباعة المتجولين على بيع عصائر محلاة بمواد اصطناعية، بل تمتد إلى ارتكاب ممارسات خاطئة في طريقة النقل في السيارات العادية، العناية بالنظافة الشخصية.
البائع أبو محمد (اسم مستعار)، يحرص يوميا، وفي ساعات الظهيرة، على وضع عربته المحملة بعبوات عصائر بلاستيكية على جانب الطريق الرئيسي، لجذب الصائمين لشراء ما يسد عطشهم ويروي ظمأهم بعد الإفطار.
"تمرهندي"، "برتقال"، "ليمون"، و"عرق سوس"، أسماء يدونها أبومحمد على العبوات البلاستيكية التي يعرضها تحت أشعة الشمس منذ ساعات الظهر وحتى قبيل آذان المغرب، متجاهلا الضرر الكبير الذي قد تلحقه حرارة الشمس العالية بتلك العصائر الصناعية .
ويبرر أبومحمد لـ"الغد" أسلوب عرض بضاعته من العصائر المصنعة منزليا، بأنه لمحاولة جذب أنظار المارة الذين عادة ما يتهافتون للشراء منهم أثناء عودتهم إلى منازلهم، مقابل تحقيق ربح مالي مهما كان يسيرا، حتى لا يبقى عاطلا عن
العمل.
من جهته، دعا رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور محمد عبيدات الجهات الحكومية الرقابية ذات العلاقة إلى ضرورة تشديد الرقابة على الباعة المتجولين الذين يبيعون هذه المشروبات وينتشرون بصورة لافتة من دون  معرفة جودة هذه المنتجات، وإتلافها في حال مخالفتها الشروط الصحية.
واعتبرت الجمعية أن انتشار هذه الظاهرة "أصبح أمرا مقلقا، لكون تحضير هذه العصائر يتم بطريقه غير صحية، وعرضها للمستهلكين بطرق مغرية وأسعار مرتفعة"، داعية مؤسسة الغذاء والدواء، على وجه الخصوص، إلى تكثيف حملاتها الرقابية للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة غير الصحية، وخاصة في محافظات الأطراف والمخيمات والأرياف.
من جهته، أكد صاحب محل عطارة، حمد العربي، إقبال العديد من الناس في بداية الصيف، خصوصا شهر رمضان المبارك، على شراء النكهات الصناعية للعصائر، مثل نكهة عصير الليمون، والبرتقال والتمر الهندي لرخص ثمنها وسهولة استخدامها، فضلا عن أن استخدامها في تحضير كميات كبيرة لا يكلف الباعة كثيرا.
ويضيف أن "استخدام النكهات الطبيعية أو المادة الطبيعية ذاتها لهذه العصائر، يشكل عبئا ماديا على التجار، الأمر الذي يرفع ثمن العصائر على الرغم من إقبال ربات البيوت على شراء هذه المصادر الطبيعية وتحضيرها منزليا بما يضمن صحة وسلامة تلك العصائر".
من جهتها، تشير اختصاصية التغذية العلاجية ربى العباسي، أن "العصائر الصناعية المحلاة غير مفيدة صحيا للشرب، سيما وأنها مؤلفة من نكهة العصير مع تركيز عال من السكر بهدف حفظها وعدم تعفنها، غير أن هذه السكريات ترفع من مستويات السكر في الدم والسعرات الحرارية، والتي يحولها الجسم الى دهون ضارة".
وتشير العباسي إلى تأثير تناول هذا النوع من العصائر على الجهاز الهضمي في الجسم، خصوصا وأن تعرضها لأشعة الشمس يزيد من نشاط الأحياء الدقيقة فيها، والتي تؤدي بدورها إلى زيادة الإصابة بالالتهابات المعوية، فضلا عن حالات الإسهالات المتكررة وفقدان السوائل، التي تسبب الجفاف، خصوصا في شهر رمضان، عند تناولها بكميات
 كبيرة.
كما يؤدي تناول هذه العصائر، بحسب العباسي، إلى الإصابة بالنزلات المعوية وارتفاع الحرارة، وغيرها من الأعراض المرضية، فضلا عن تأثيرها المباشر على الجهاز المناعي، بسبب التركيز العالي للسكر فيها، حيث تتسبب بقتل كريات الدم البيضاء.
وأما بالنسبة إلى تأثيرات العصائر المحلاة على مرضى السكر، أشارت العباسي إلى أنها تتسبب بمضاعفات كبيرة على حالته الصحية، كما يمكن تعرضه لآثار جانبية أكثر خطورة، كما يزيد من حالات الشعور بالقلق والتوتر ويؤثر على القدرة على النوم.
وأما تعبئة العصائر وتداولها بعبوات وأكياس بلاستيكية، بحسب العباسي، وعرضها تحت أشعة الشمس، فتتسبب بتحلل مكونات تلك العبوات وارتحالها كمرسبات سامة تؤثر على الكبد في ما ببعد، كما تعتبر وسطا ملائما لنمو البكتيريا وزيادة نمو الميكروبات فيها.
وتفضل العباسي تناول الماء المثلج والعصائر الطبيعية، عوضا عن الصناعية التي لا تحتوي على بطاقة بيان أو شريط تعريفي بطريقة التصنيع، لافتة إلى أهمية "التعقل" في اختيار العصائر، مع ضرورة الاعتدال والحكمة في انتقاء المشروبات به.
ولا يقتصر انتشار العصائر الصناعية على منطقة معينة، بل المشهد عام في كافة محافظات المملكة، وسرعان ما يزداد مع شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يجعل الأمر أكثر خطورة.
ولا تقف خطورة بيع تلك العصائر لكونها معرضه لأشعة الشمس فحسب، بل أيضا بطرق نقلها وتخزينها، فالأربعيني خالد رضوان، صاحب إحدى المقاهي الرمضانية، "يذهب بشكل يومي إلى محلات بيع العصائر لشراء كميات كبيرة منها لبيعها في المقهى الخاص به، دون مراعاة لطرق تعبئة ونقل تلك العصائر".
وعلى الرغم من حرص رضوان على شراء العصائر من أحد المحلات المعروفة، المشهود له بالنظافة والتزامه بشروط الصحة العامة، إلا أنه ينقل تلك العصائر في "جالونات" بلاستيك، وبسيارته الخاصة، وعرضها أمام باب المقهى منذ ساعات العصر، ما يتسبب بتلف تلك العصائر من جهة، ويعد مخالفة قانونية من جهة أخرى.
وكانت أمانة عمان الكبرى أتلفت أكثر من 14 ألف لتر من السوائل المختلفة لعدم صلاحيتها وسوء التحضير، في أول يومين من شهر رمضان، وما تزال الحملات الرقابية والتفتيشية مستمرة بشكل يومي، وفق مديرة الرقابة الصحية الدكتورة ميرفت
 مهيرات.
وأشارت المهيرات لـ"الغد"، إلى أن الأمانة شكلت 80 فريقا للرقابة الصحية ضمن خطتها الرقابية خلال شهر رمضان، فضلا عن 12 فرقة مشتركة مع المؤسسة العامة للرقابة على الغذاء والدواء، موزعة للعمل من التاسعة والنصف صباحا حتى الثانية والنصف ما بعد منتصف الليل في كافة مناطق مدينة عمان، مع التشديد على أصحاب محلات بيع العصائر للالتزام بالشروط الصحية، والتي يكثر الطلب عليها في الشهر الفضيل.
وبينت أن تلك الفرق تقوم بالعمل على ثلاث فترات؛ صباحية وما قبل الافطار وبعده؛ لضمان عمليات الرقابة المستمرة خلال الشهر الفضيل.
وتركز الفرق في عملها خلال الفترة الصباحية على متابعة الشكاوى والملاحظات الواردة من كافة الجهات، فيما تركز في فترة ما قبل الإفطار، على عرض المواد الغذائية وعلى الباعة المتجولين، وجلب العينات المختلفة من الأطعمة والمشروبات لفحصها واتخاذ أي إجراءات ملائمة، فيما يكون التركيز خلال فترة ما بعد الإفطار على محال الحلويات والكوفي شوبات.
وتعتبر المهيرات أن بيع العصائر والمشروبات على البسطات وجنبات الطرق، يخالف شروط الصحة والسلامة العامة، مشيرة الى ان المديرية ممثلة بفريق متخصص ضمن طوارىء الأمانة، تقوم بإتلاف هذه المواد في الحال.
وتبين أن عملية الإتلاف تتم في حال عدم وجود بطاقة بيان للمنتج وطريقة الحفظ، إضافة الى عدم وجود اسم الشركة المصنعة وتاريخ إنتاج وانتهاء المنتج.
وتنصح المواطنين بأن يكون لديهم نمط استهلاكي وانتقاء في اختيار المواد الغذائية التي تخضع لشروط الصحة العامة، والابتعاد عن شراء المواد المعرضة لأشعة الشمس، مشيرة الى ان الدور الأكبر يقع على المواطن في مكافحة تلك الظاهر.
وتتفق المهيرات مع خبراء الصحة، في ضرورة أن يكون المواطن واعيا في انتقاء السلع الغذائية التي يتناولها، معولة على وعي وإدراك المواطن الأردني الذي يعتبر شريكا رقابيا للأجهزة الصحية والرقابية في الأردن، الأمر الذي يخفف من العبء على تلك الأجهزة.
الثلاثينية منى حسان من سكان الكمالية بصويلح، تحرص وبشكل يومي على شراء التمر الهندي من أحد الباعة المتجولين، الذي ميز عربته بعبارة "محضر منزليا"، معتقدة أن ذلك يجعله أكثر صحة وسلامة.
وتضيف: "لم يخطر ببالي أن أسأل عن نوعية الماء أو حتى مدى معرفة صانع العصير بالطرق الصحيحة للتحضير"، لافتة إلى أنها اعتادت على مقولة أن "كل ما هو محضر منزليا لا بد أن يكون صحيا وآمنا".
أما المواطن العشريني سعد سمير من سكان مدينة السلط، فيواظب على شراء العصائر من قارعة الطريق، لرخص ثمنها، وسهولة الحصول عليها، غير آبه بالمواصفات الصحية التي تشترطها المؤسسة العامة للغذاء والدواء.
غير أن المواطنة ياسمين حلمي من سكان ضاحية الأمير حسن في عمان، فترفض رفضا قاطعا شراء العصائر ذات الأصباغ الاصطناعية، لخطورتها على صحتها وأطفالها، وتفضل إعداده منزليا مع التركيز على شرب المياه وبخاصة في شهر رمضان المبارك.