عصر المجاعات

معاذ الدهيسات

قبل ما يقارب المائة عام ضربت لبنان المجاعة الكبرى ومات خلالها ثلث السكان اختلطت الأسباب التي كان اهمها حصار مجرم الحرب التركي جمال باشا السفاح لجبل لبنان فكانت الجثث ترصف الشوارع، يخشى اللبنانيون اليوم من تكرار الذكرى المفجعة بعد أن فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب التسعين بالمائة من قيمتها فبات تأمين المواد الغذائية الأساسية معركة اللبناني الأهم بعد أن ارتفعت قيمة السلع السوقية الى اكثر من ستين بالمائة.اضافة اعلان
وفي اليمن يعاني ما يقارب من ثمانية عشر مليون انسان من انعدام الأمن الغذائي منهم خمسة ملايين طفل مهددون بالموت جوعا بحسب ارقام الأمم المتحدة التي تؤكد خسارة العالم لمعركته أمام المجاعة في اليمن. وفي الصومال شردت السيول نصف مليون انسان في ذات الوقت الذي اجتاحت فيه اسراب الجراد البلاد لتضعهم على حافة مجاعة حذرت منها الأمم المتحدة في حال لم يتخذ المجتمع الدولي اجراء سريعا لدعم الشعب الصومالي، وغير بعيد عن القرن الأفريقي اطلق برنامج الأغذية العالمي انذارا يفيد فيه أنه يسابق الزمن لإدراك اكثر من خمسة ملايين انسان يموتون جوعا في جنوب السودان وفي أفريقيا يعاني ثمانية ملايين مواطن في زيمبابوي من الجوع أي ما يعادل نصف سكان الدولة الأفريقية المنكوبة حيث يعاني وسط القارة المظلمة ككل من هشاشة كارثية في الأمن الغذائي.
تستعيد قضايا الموارد زخمها بعد اجتياح جائحة كورونا العالم، فالتركيز على الموارد بحسب مايكل كلير في كتاب حروب الموارد: اكثر من مجرد عودة للماضي، انه يعكس الأهمية المتنامية للقوة الصناعية والأبعاد الاقتصادية للأمن، ففي مطلع القرن العشرين تنافست المانيا وفرنسا وبريطانيا للهيمنة على التجارة وبسط النفوذ على طرق الامداد في اعالي البحار وتصاعد الصراع وتوج بالصدام عبر الحرب العالمية الأولى، انها صراعات مجربة ولا غرابة ان تنتهي بأسوأ سيناريو إن تركناها بلا حلول.
فالأمن القومي اليوم يعتمد في جزء كبير منه على المشاركة الناجحة في الاقتصاد العالمي بحسب دراسات الأمن الصادرة عن البنتاغون، وهو ما يؤكده وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي الاسبق بأن العالم قد دخل حقبة تتفوق فيه المنافسة الاقتصادية على التنافس الإيدولوجي.
اثبتت جائحة كورونا كيف يمكن أن تتوقف خطوط الامداد العالمي بدون مقدمات وجعلت سؤال الأمن الغذائي يتصدر هاجس الدول، ذلك ما اوضحه جلالة الملك في لقاء المتقاعدين العسكريين حول خريطة العالم والاقليم في العام المقبل 2021 والتي تتصدرها ازمة غذاء عالمية.
فبالرغم من الوفرة الغذائية اليوم، والتقدم في مجال انتاج الغذاء عالميا إلا أن هناك ما يقارب المليار انسان حول العالم يتعرضون لنقص غذائي والرقم مرشح لأن يتضاعف، اليوم يتم هدر ما يقارب ثلث الغذاء المنتج عالميا وتصل الخسائر الغذائية إلى ما يقارب تريليون دولار.
في الفصل السابع من الكتاب المذهل التنمية حرية لـ(امارتيا صن) وتحت عنوان المجاعات وأمور اخرى يسهب في تشريح الحالة ويؤكد أن المجاعات تصيب نسبة قليلة في كل مجتمع حتى أن الدول المصابة بالمجاعة تستمر بتصدير الغذاء بلا مبالاة بالفئة المهمشة، ببساطة يحصل هذا الأمر نتيجة الفشل بمعالجة زخم البيانات ولقصور بإدارة المعلومات، ولمعالجة ذلك أنشأت (الفاو) فكرة المجلس الرقمي الدولي للأغذية والزراعة ويمكن محاكاة ذلك أردنيا من خلال إدماج التكنولوجيا في قطاع الأغذية وهو ما يفسر ماذا يعني أن نصبح مركزا استراتيجيا للإقليم الأمر يحتاج الى بلد آمن ومستقر وقدرة على معالجة البيانات، إنها وصفة السهل الممتنع التي انجزها الأردن في اقليم يديره التوحش.