عصر بلقنة الفضاء الإلكتروني: التجزيء الحتمي للإنترنت

Untitled-1
Untitled-1

ماثيو بي* - (ستراتفور) 25/4/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

الصورة الكبيرة
سوف يتم تذكر العقود الثلاثة الأولى من تطور الإنترنت كفترة متميزة بشبكة مفتوحة إلى حد كبير، والتي تحكمها القليل من اللوائح -باستثناء الحالات الفريدة مثل حالة الصين. لكن هذه الرواية تأتي الآن إلى نهاية. الآن، تقوم الدول والشركات بإنشاء جدران رقمية جديدة أمام الإنترنت في كل يوم. وقد أعطيت لهذا المفهوم العديد من الأسماء مثل -الانترنت المقسم، وبلقنة الإنترنت وتجزيء الإنترنت- لكن هذا المفهوم، بغض النظر عن المصطلحات والتسميات، أصبح موجوداً هنا ليبقى. ويتسارع.
إضاءات
*انتهت أيام الإنترنت العالمي المتميز بالانفتاح النسبي، بينما تزداد اللوائح والأنظمة والحدود الرقمية في السنوات المقبلة.

  • تقود القومية والمخاوف من الاستعمار الرقمي والخوف على الخصوصية إلى "تقسيم الشبكة". ولن تتراجع هذه القوى أو تعكس وجهتها، وإنما ستتسارع فحسب.
  • سوف تواصل الولايات المتحدة دعم نموذج الإنترنت المفتوح نسبياً، لكنها فهمت بوضوح أيضاً أن اتفاقاً عالمياً يحكم الفضاء الإلكتروني سوف يقيد يديها في المنافسة مع الصين.
  • سوف تحكم متاهة معقدة من الأنظمة واللوائح والقواعد وتحديات الأمن السيبراني المختلفة إنترنت المستقبل، مما سيجعل الملاحة في هذه المتاهة أكثر صعوبة على الشركات.
  • * *
    في العام 2001، قال مؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس -الذي لم تكن شركته قد حققت أرباحاً ربع سنوية بعد- في إحدى المقابلات: "أنا أعتقد بقوة بأن الإنترنت في الحقيقة مخيّب ولا يرقى إلى مستوى سمعته". والآن، بعد 18 عاماً، يمكن التركيز على الكيفية التي تصبح بها شبكة الإنترنت "مقسمة". وكان مفهوم "الشبكة المقسمة" splinternet أو "بلقنة الإنترنت" -الذي يصف وضعاً تكون فيه شبكة المعلومات الرقمية العالمية مجزأة إلى شبكات أصغر بفعل سلسلة متنامية من القواعد واللوائح والضوابط- موجوداً منذ سنوات طويلة. لكننا نتجه الآن نحو النقطة التي يصبح فيها هذا المفهوم حقيقة واقعة.
    لقد ولّت إلى الأبد أيام "الغرب المتوحش" التي ميزها وجود إنترنت مفتوح، وستكون الآثار المترتبة على إنترنت يصبح أكثر تشظياً باطراد هائلة. وسوف ينجم حقل ألغام تنظيمي، والذي سيطرح تحديات جديدة أمام الهيمنة الحالية لشركات الإنترنت الأميركية الدولية، مثل "أمازون"، وهو ما ينطوي على إمكانية ترك الولايات المتحدة بقدرة أقل على ممارسة "القوة الناعمة" من خلال شركاتها العملاقة.
    الإنترنت المفتوح يرقد بسلام
    تطور الإنترنت بالتوازي مع صعود الولايات المتحدة لتكون القوى العظمى الوحيدة في العالم؛ وبمجرد انتهاء الحرب الباردة، أصبح الإنترنت علامة بارزة على الهيمنة الأميركية. وكان الإنترنت قد بدأ كشيء يدعى ARPANET، وهو من خلق وزارة الدفاع الأميركية، قبل أن يصبح مطروحاً للعموم في التسعينيات. ولكن، على الرغم من أن الإنترنت أصبح عالمياً، فقد حافظت الولايات المتحدة على دورها باعتبارها مديره الأساسي من خلال عقد "شركة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة" (ICANN) مع الحكومة الأميركية. ويلعب هذا العقد دوراً رئيسياً في إدارة نظام أسماء النطاقات (DNS)، وهو مجموعة من قواعد البيانات المحفوظة في خوادم (سيرفرات) أساسية، والتي تجعل الإنترنت عاملاً.
    ساعدت سياسة الولايات المتحدة القائمة على أن المعلومات والبيانات هي من حقوق الإنسان، والتي يجب أن تتدفق بحرية بين البلدان والشركات والأفراد، مصحوبة بدور البلد الإداري للإنترنت، في تسهيل الهيمنة الراهنة للولايات المتحدة على قطاع الإنترنت العالمي. وكانت كبريات شركات الإنترنت الأميركية -أمازون، غوغل، فيسبوك، نيتفليكس، وأخريات- قادرة على فرض سيطرتها على معظم العالم متحررة نسبياً من اللوائح المتباينة بحدة أو المنافسين المحليين المؤثرين. وعنت هيمنة الشركات الأميركية أن تسيطر الولايات المتحدة بشكل أساسي على مكافئ القرن العشرين للنفط (المورد الأكثر قيمة في هذا الزمن): البيانات. وتستطيع هذه الشركات تدوير البيانات لصالحها. وقد أصبح الوجود الكلي في كل مكان للشركات الأميركية في بعض البلدان شبيهاً بالاستعمار الرقمي، والذي تجسده سيطرة "فيسبوك" على تجارب الهواتف المحمولة في عشرات البلدان من خلال برنامجه Free Basics وسيطرة "غوغل" على الإعلان. وبالإضافة إلى ذلك، كما أظهرت تسريبات إدوارد سنودن في العام 2013، تتمتع أجهزة الاستخبارات وفروع إنفاذ القانون الأميركية بحرية أكثر من الدول الأخرى في الوصول إلى البيانات -بشكل قانون وغير قانوني على حد سواء- بما أن هذه البيانات تعيش في خوادم موجودة في الولايات المتحدة.
    هذه الحقيقة المزدوجة -هيمنة الولايات المتحدة على الإنترنت؛ ووصولها الذي لا يضاهى إلى البيانات- تسببت في ردة فعل عكسية ضد نموذج الإنترنت المفتوح. وفي الوقت نفسه، قامت الشركات والدول بتطوير أدوات جديدة جعلت من الأقل كلفة على الدول الاستبدادية تقييد وخنق الحركة الحرة للمعلومات محلياً، ومن الأسهل عليها استخدام البوتات bots (1) في وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة إدارة سرد يفضلها. وتأتي الضربة الارتدادية ضد الإنترنت المفتوح من اتجاهات متعددة، وهي ليست ذاهبة إلى أي مكان.
    الإنترنت المقسم كأداة استبدادية
    يتخذ خصوم الولايات المتحدة خطوات متزايدة لتقسم الإنترنت إلى وحدات، خالقين مجالات عالمية ومحلية. والأكثر شهرة بين هؤلاء هو الصين، التي سيطرت لسنوات على حركة المعلومات بين الفضاء الافتراضي العالمي والفضاء الافتراضي المحلي من خلال جدارها الناري العظيم Great Firewall، (2) الذي يسيطر على الوصول المحلي إلى الشبكة العالمية، فيقيد -على سبيل المثال- الوصول إلى مواقع أجنبية معينة. لكن روسيا وإيران تستفيدان من الصين وتقطعان خطوة أخرى أبعد: حيث تقومان بإنشاء شبكات إنترنت محلية يمكن قطعها عن شبكة الإنترنت العالمية إذا لزم الأمر، مع بقائها متماسكة وعاملة محلياً. وقد أصبحت "شبكة المعلومات الوطنية" الإيرانية الآن عاملة بكامل الطاقة، وكان البلد يحاول إجبار مواطني الشبكة لديه على إنشاء مواقع إلكترونية وصناعة تطبيقات من صناعة إيرانية منافسة للتطبيقات الغربية على شبكة الإنترنت الإيرانية المحلية بدلاً من الشبكة العالمية. كما فعلت روسيا الشيء نفسه، ولو أن من غير الواضح ما إذا كان اختبار مزعوم لقطع كل وصول إلى شبكة الإنترنت العالمية الذي كانت قد خططت لتنفيذه في وقت ما قبل الأول من نيسان (أبريل) قد أجري بالفعل.
    ربما يكون إنشاء روسيا وإيران والصين شبكاتها الخاصة بسبب المخاوف من تدخل البلدان الغربية مجرد قمة جبل الجليد في تطوير الحكومات الاستبدادية شبكات إنترنت محلية قوية للسيطرة على المعلومات. ومع انخفاض أسعار أدوات التحكم في الإنترنت، فإن هذه الأدوات ستصبح في متناول بلدان أصغر وأقل تقدماً. ومن بين المرشحين الواضحين لإنشاء شبكات إنترنت محلية أو استخدام أنظمة قوية لفلترة الإنترنت، مصر، والمملكة العربية السعودية وتركيا والبرازيل. (تحدثت الأخيرة إمكانية زيادة لوائح وأنظمة الإنترنت مسبقاً). بل إن روسيا اقترحت شبكة إنترنت حصرية أصغر لدول مجموعة "بريكس" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) كوسيلة للانعتاق من الهيمنة الرقمية الأميركية.
    القومية والضغط من أجل المزيد من خصوصية البيانات
    ليست الدول الاستبدادية فقط هي التي تلاحظ الهيمنة الأميركية على الإنترنت. في النهاية الأخرى من الطيف، تدفع خصوصية البيانات، وقومية البيانات والقومية الاقتصادية، بالمزيد من لوائح الإنترنت وضوابطه. وربما يكون هذا صحيحاً بشكل خاص في أوروبا. فعلى الرغم من كونها ثرية مثل الولايات المتحدة، كافحت أوروبا لإنشاء شركات إنترنت يمكنها أن تنافس نظيراتها الأميركيات. وحتى الآن، لا توجد شركات أوروبية تناظر "فيسبوك"، و"غوغل"، و"أمازون". كما أن الدول الأوروبية المفردة أصغر كثيراً من استيعاب شركات مركِّزة على البلد لتنافس قوة النيران المالية التي يمكن أن يضعها المنافسون الأميركيون في الاستثمارات. وعلى نحو قد لا يكون مفاجئاً، بينما ازدادت القومية عبر أوروبا، فكذلك فعلت الرغبة في تخفيف هيمنة الولايات المتحدة على الإنترنت. وتشمل الأمثلة حتى الآن التحقيقات وإجراءات مكافحة الاحتكار ضد "غوغل"، وكذلك اللوائح المتزايدة التي تتطلب توطين البيانات والدعوات إلى فرض ضرائب أعلى.
    شكلت خصوصية البيانات عنصراً حاسماً في ردود الفعل الأوروبية على تحكم الولايات المتحدة في الإنترنت، وخاصة إصدار الاتحاد الأوروبي في أيار (مايو) 2018 "قانون حماية البيانات العامة" المؤثر بعمق. وقد فرضت الخطة التنظيمية قواعد امتثال جديدة على خصوصية البيانات، بما في ذلك كيفية استخدام البيانات، وأين يتم تخزينها وكيف يمكن أن يعطي الناس موافقتهم على قضايا البيانات. وجاء قانون البيانات العامة مدفوعاً في جزء منه بتكشيفات سنودن التي أفادت بأن وكالة الأمن القومي وما يُدعى تحالف "خمس عيون" لتقاسم الاستخبارات كانا يدخلان إلى البيانات على مستوى العالم. وقدم القانون مجموعة هائلة من اللوائح، والتي تتطلب من الشركات أن تبحر بشكل فريد عبر تشريعات كل دولة أوروبية مفردة. وفي حين أن هذا لا يكافئ تماماً إنشاء شبكة إنترنت منفصة كلياً وفيزيائياً مثل المقترحات الروسية والإيرانية، فإن له تأثيرا مماثلا من حيث زيادة اللوائح وتقليل خاصية الوصول الكامل للإنترنت العالمي.
    وحتى في الولايات المتحدة نفسها، تظهر حركات تطالب بزيادة تجزئة الإنترنت. ويهدف المؤيدون إلى تقليل هيمنة الشركات الكبيرة وسيطرتها التي لا تدانى على البيانات، كما يريدون أيضاً زيادة حمايات البيانات الشخصية، ربما عن طريق إنتاج آليات شبيهة بقانون البيانات العامة الأوروبي في ولايات أميركية معينة.
    كما أن الشركات أيضاً تهتم بشكل متزايد بتقسيم الإنترنت بطرق مختلفة؛ حيث تشرع النظم الإيكولوجية في الظهور حول منصات معينة. وقد اجتذب نموذج أعمال "أبل" المستخدمين وحبسهم في الأنظمة البيئية لـ"أبل" و"آي. أو. س". وفعلت "أمازون" و"غوغل" الشيء نفسه بعروضهما، وكذلك فعلت شركتا "علي بابا" و"تنسينت" الصينيتان باطراد. وبينما تجري تجزئة ملموسة لشبكة الإنترنت بقيادة الدولة، فإن هذه المناهج للنظم البيئية الخاصة بشركات معينة يمكن أن تهيمن على مجموعات من البلدان والأقاليم التابعة، مما يعزز الحدود الرقمية الجديدة.
    آراء منقسمة حول تقسيم الإنترنت
    ألقت السنتان الأخيرتان ضوءاً على وجهات النظر العالمية المنقسمة بحدة حول الكيفية التي يجب أن يُحكم بها نطاق الإنترنت. وفي خمس مناسبات مختلفة، كلفت الولايات المتحدة مجموعة من خبراء الحكومة بتأسيس قواعد وأعراف للحكم الرقمي العالمي. وبعد أن فشلت المجموعة الخامسة في القيام بذلك في تموز (يوليو) 2017، لم يتم إنشاء مجموعة سادسة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "دعوة باريس للثقة والأمن في الفضاء الإلكتروني"، وهي مبادرة جديدة لتأسيس قواعد دولية للإنترنت، والتي وقعتها أكثر من 50 دولة، و90 من المجموعات غير الربحية والجامعات، و130 شركة خاصة، بما فيها "فيسبوك" و"غوغل".
    لكن الولايات المتحدة، والصين وروسيا، لم توقع على مبادرة "دعوة باريس"، كما أعاقت هذه الدول الثلاث أيضاً كل جهود الأمم المتحدة في هذا المجال. فبعد كل شيء، تمتد منافسة القوى العظمى المستعرة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى الفضاء الإلكتروني. وقد تمكنت الولايات المتحدة من ممارسة مقادير هائلة من القوة الناعمة من خلال الإنترنت، ويصبح صعود الصين الآن تهديداً جيوسياسياً أكثر أهمية بكثير للولايات المتحدة بكل الطرق، بما في ذلك في المجال الرقمي. وقد ركزت واشنطن مؤخراً على ضمان أن لا تؤدي الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالفضاء الإلكتروني إلى التحدي الإضافي المتمثل في جعل منافسة الولايات المتحدة مع خصمها الصيني أكثر صعوبة.
    تسود القوانين المحلية واللوائح الوطنية بقوة في البلدان بسبب المتطلبات المادية للإنترنت الحالي، وبذلك تستطيع الولايات المتحدة والصين وروسيا أن تسلك طرقها الخاصة في الفضاء الإلكتروني. ويعني هذا أن قضايا حكم الإنترنت العالمي يرجح أن تبقى راكدة، بينما تستمر المجموعات الإقليمية والمجموعات ذات الاهتمام المشترك، أو الدول ذات النزعات القومية القوية، في إصدار أنظمتها المحلية، وإقامة جدرانها النارية -وفي بعض الحالات، شبكات الإنترنت المحلية التي تكون ذات اتصال محدود بالعالم الخارجي.
    مستقبل معقد أصبح حاضراً فعلاً
    توفر الصين حالة دراسة جيدة للكيفية التي يمكن أن تؤثر بها السيطرة على الإنترنت المحلي على هيمنة الشركات الأميركية عندما تُؤخذ هذه السيطرة إلى حدودها القصوى. فقد جعل "الحائط الناري العظيم" الصيني وقواعدها التكنولوجية القومية بقوة من المستحيل على الشركات الأميركية أن تعمل في البلد. وتحظر الحكومة الصينية صراحة بعض الشركات، في حين تخض الأخريات لقدر كبير من الرقابة والمراقبة بحيث أنها تختار ببساطة عدم السعي إلى دخول السوق الصينية. وقد سمح هذا الوضع للشركات الصينية بأن تهيمن داخل الصين، وأن تتطور وتغذي السوق المحلي. وحتى عندما حاولت الشركات الأميركية المنافسة، فإنها فشلت. وفي المستقبل، يرجح أن يظهر هذا النوع من السيطرة المحلية في بلدان أخرى تنتهج سياسات إنترنت قومية متطرفة، مثل إيران.
    يعني هذا، عالمياً، أن الأعمال التجارية -القائمة بشكل كامل على الإنترنت أو غيرها- يجب أن تستعد للملاحة وشق طريقها في حقل ألغام يصبح أكثر تعقيداً باطراد من وضع لوائح الإنترنت المختلفة. وفي القرن الحادي والعشرين، يعتمد كل قطاع في العالم تقريباً بقوة على الاتصال السريع والسلس بالإنترنت وتدفق المعلومات، وسوف تؤدي اللوائح المتزايدة إلى تبطيء وإعاقة العمليات بالعديد من الطرق، بغض النظر عن صغر أو كبر العمل التجاري. وفي الحقيقة، في العديد من أركان المجال التكنولوجي، سوف يظهر منافسون وطنيون لما كانت في السابق شركات دولية عملاقة مهيمنة. لكن الشركات الصغيرة سوف توضع أيضاً في موقف غير موات إلى حد كبير عندما تحاول أن تتوسع خارجاً إلى بلد أو اثنين بسبب التكاليف الناجمة عن الاضطرار إلى الامتثال للقواعد واللوائح المختلفة التي يمكن أن تتفاوت بشكل كبير.
    من المفارقات أن الشركات الأميركية والصينية الرئيسية يمكنها أن تتحمل الامتثال بسهولة كبيرة إذا ما اختارت ذلك. ومع ذلك، سوف يؤدي هذا فقط إلى تعزيز المخاوف من الاستعمار الرقمي وانتهاك الخصوصية -ويُرجح أن يتسبب في نهاية المطاف بضربة ارتدادية ربما تكون أقوى ضد الشركات الأميركية الكبيرة. وفي الغرب، سوف تركز هذه المعارضة على خصوصية البيانات وكيف يتم التعامل معها، خاصة بينما يخلق الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء قدراً أكبر من البيانات الشخصية المستخلصة من تفاصيلنا الحياتية.
    النظر قدُماً
    سوف تكافح شركات التكنولوجيا الأميركية من أجل الحفاظ على نفوذها العالمي في عالم يتسم بتقسيم الإنترنت، وحيث تمتلك السيادة الوطنية اليد العليا. وبالنسبة للصين، من جهة أخرى، سيكون هذا السيناريو مفضلاً. وعلى سبيل المثال، تشرع شركاتها العملاقة التي تحظى برعاية الدولة، مثل شركتي "تينسينت" و"علي بابا"، في تصدير أنظمة بيئية قامتا ببنائها في الصين إلى بعض جيران الصين، وتأخذان بذلك حصة من أسواق كانت تهيمن عليها تقليدياً الشركات الأميركية. وربما يتسبب ذلك بنوع من الضربة الارتدادية ضد الاستعمار الرقمي الصيني، ولكن بما أن الصين جديدة على هذه اللعبة بالتحديد، فإنها ستواصل تحقيق تقدم في منافستها على النفوذ مع الولايات المتحدة، حتى لو واجهت حدوداً ومعارضة.
    النتيجة النهائية هي أن السنوات الخمس والعشرين المقبلة من تنظيم الإنترنت وتغيير المبادئ التوجيهية حول كيفية تدفق المعلومات عبر الحدود سوف تكون أكثر تعقيداً بكثير من السنوات الخمس والعشرين الماضية. ومن غير المرجح أن تتحقق الرؤية المتطرفة للإنترنت المقسم؛ حيث تنشئ كل دولة شبكتها المحلية الخاصة مع صلات محدودة بالشبكة العالمية. ولن تسمح متطلبات الاقتصاد الحديث ببساطة بتحقق هذا الاحتمال. بدلاً من ذلك، سوف يكون مطلوباً من الشركات أن تقفز من خلال المزيد من الأطواق باطراد، وسوف تنمو المطالب المحلية بملكية محلية أو بتنظيم البيانات. وسوف تظل أميركا وشركاتها تطالب بإنترنت مفتوح للجميع -بل وحتى الإقدام على استثمارات كبيرة في تقنيات الأقمار الاصطناعية لمحاولة تحقيق ذلك- لكنها لن تتمكن من منع حدوث ما لا مفر منه.
    لقد أصبح عصر الإنترنت المقسم بيننا مسبقاً.

*محلل شؤون الطاقة والتكنولوجيا في مركز "ستراتفور"، حيث يراقب طائفة من القضايا والاتجاهات العالمية. وبشكل خاص، يركز على الطاقة والتطورات السياسية في الدول الأعضاء في منظمة "أوبيك" وتداعيات هذه التطورات على منتجي النفط وأسواق النفط العالمية. يشمل عمل السيد بي دراسات في التأثير العالمي لصعود إنتاج الطاقة الأميركي، والهبوط الحالي لأسعار النفط، وتأثير النفوذ السياسي الروسي على أوروبا من خلال الطاقة، والاتجاهات بعيدة المدى في قطاعات الطاقة والتصنيع.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Age of Splinternet: The Inevitable Fracturing of the Internet
هوامش:
(1) بوتات الإنترنت، Internet bots، تعرف أيضاً باسم روبوتات الويب أو روبوتات الشبكة العالمية أو ببساطة بوتات، هي برامج تقوم بعمل مهام تلقائية على الإنترنت. وعادة ما تقوم البوتات بإجراء مهام بسيطة ومركبة بصورة متكررة، بمعدل أعلى مما يمكن أن يقوم به الإنسان وحده. الاستعمال الأكبر للبوتات هو فهرسة صفحات الإنترنت، حيث يقوم برنامج بجلب وتحليل المعلومات من خوادم الويب تلقائياً بسرعة أعلى من سرعة الحاسوب، كل خادم بالإمكان احتوائه على ملف يسمى robots.txt، والذي يحتوي على قواعد لفهرسة هذا الخادم والتي على البوت طاعتها، وهذا الملف هو ببساطة نص يذكر القواعد التي تحكم سلوك البوت على ذلك الخادم. (ويكيبيديا).
(2) جدار الصين الناري العظيم، Great Firewall of China، هو مزيج من التدابير التشريعية والتكنولوجية التي تفرضها جمهورية الصين الشعبية لتنظيم الإنترنت محلياً. ودور الجدار في الرقابة على الإنترنت في الصين هو منع الوصول إلى مواقع إلكترونية أجنبية مختارة وتبطيء حركة الإنترنت العابر للحدود.

*مركز التوقعات الاستراتيجية، Strategic Forecasting, Inc؛ والمعروف أكثر باسم "ستراتفور "STRATFOR، هو مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، وهو يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية. تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم "وكالة المخابرات المركزية في الظل" أو الوجه المخصخص للسي آي إيه، The Private CIA. ومعظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية.