عصف عاطفي

يعتقد عدد كبير من النّاس، أنّ المرأة التي يحبّها الرّجل، هي امرأة تلخّص جميع النّساء. بالمقابل هناك اعتقاد سائد يتعلّق بالرّجل الذي تحبّه المرأة، بأنّه يلخّص جميع الرّجال. لا أعرف من أين جاء مثل هذا الاعتقاد في مجتمعنا العربي! كما لا أعرف على وجه الدّقّة، متى استقرّ في وجدان النّاس! ولكنّ الذي أعرفه، أنّ صورة المعشوق قد احتلّت منزلة رفيعة لدى العاشق، وصلت به في بعض الأحيان حدّ التّأليه.

اضافة اعلان

كما أنّ الانفصال عن المعشوق، كان يتسبب بحدوث ما يشبه الكارثة للعاشق، حيث تحلّ عليه اللعنات، فيتشرّد في أصقاع الأرض، وأحياناً يفقد عقله، تماماً كما حدث مع قيس ابن الملوّح، الذي شغف بحبيبته ليلى شغفاً عظيماً، وحين افترق عنها، هام على وجهه في البراري، وأصبح النّاس يلقّبونه بمجنون ليلى.

ينطوي الحبّ على إعجاب العاشق بالمعشوق إعجاباً شديداً، قد يصل إلى درجة الولع والافتتان، وفي هذه الحالة، يغض العاشق نظره عن أيّة هفوات أو نواقص في شخصيّة المعشوق، ويحيطه بهالة من القداسة، ممّا يجعله بمثابة إنسان كلّي. والآن هل يمكن اعتبار هذا الشعور خادعاً؟ خصوصا في ظلّ الظروف المضطربة التي تمرّ بها المجتمعات، وفي الوقت نفسه هل يمكن لهذا الشعور أن يتغيّر تالياً، بتغيّر تلك الظروف وتطوّرها نحو الأفضل؟

تمثّل المرأة في الحياة (أيّة امرأة) قارّة بذاتها، فهي لها ظلالها الخاصّة، نكهتها، وأسرارها. إنّها موجودة في الواقع، كما لو لم تكن هناك نساء أخريات! من هنا نجد أنّ المرأة سين لا تشبه المرأة صاد، أو لام، أو راء، ولا تستطيع بأيّ حال من الأحوال أن تأخذ دور أيّ واحدة منهن، أو تسدّ مكانها، كما أنّهنّ لا يستطعن أن يقمن بالدّور إيّاه الذي تقوم به. طبعاً ما يمكن أن ينطبق على المرأة، ينطبق على الرّجل أيضاً.

في ظلّ هذه الافتراقات الحادّة، والاستقلالية القائمة ما بين امرأة وأخرى، يغدو أمر المرأة الواحدة الكليّة، أمراً مشكوكاً فيه، وأنّ السّقوط في الحبّ، يمكن أن يتضمّن سلسلة طويلة من النّساء، لقد هتف الشاعر رامبو ذات قصيدة قائلاً:"وأودّ لو أجمع شفاه النّساء في ثغرٍ واحد، إذن لقبّلتُه واسترحت". بهذا الشكل ينتقل الحب من حالته الأوّليّة المحدودة بالرجل الواحد والمرأة الواحدة، ليصبح نوعاً من العصف العاطفي الذي يجتاح العاشق، ويجنح به إلى مدارات جديدة غير مألوفة، فيتنقّل من قلب إلى قلب.

في مثل هذه الأجواء المختلفة عمّا هو سائد في الواقع، تطفو على السّطح مسألة الغيرة التي تتملّك أحد الطّرفين، وذلك حين يشاهد الطرف الآخر، وهو يحط رحاله بين يدي معشوق جديد. ولو أردنا أن نناقش مسألة الغيرة، لوجدنا أنّها عائدة إلى موضوع التّملّك، الذي نجد فيه طرفاً يستأثر بطرف، ويعتبره مجرّد حاشية له، أو شيئاً صغيراً من ممتلكاته.

على أيّ حال، يبقى موضوع الحبّ موضوعاً مُلغزاً، ذلك أنّ هناك عدداً هائلاً من حالات الحبّ، التي يمكن لنا أن نعثر عليها في الواقع، وهي حالات تقوم على الاختلاف والتّنوّع. الحب أشبه هنا بغابة من الأسرار، أو بطقس غامض، ربّما كان الشاعر محمد الفيتوري، من أكثر الذين وصفوه بدقّة حين قال: "في حضرة من أهوى / عبثتْ بي الأشواق / حدّقتُ بلا وجهٍ / ورقصتُ بلا ساق / مملوككِ لكنّي سلطان العُشّاق".