عطر امرأة!

"كاتب فاشل".. وصف عابر يستوقفك من بين سيل من الشتائم التي تطال أمك وأخواتك وزوجتك وبناتك، وعظام أجدادك! فقط لأنك تحدثت، في مقالك، عن الفن والتمثيل والأدب، ودورها في الوعي والرقي بالحس بالجمال، وتعظيم قيم إنسانية البشر. اضافة اعلان
ولا تجد أمام وصف "كاتب فاشل"، إلا تساؤلا بريئا: هل شاهد المسكين مطلق هذا الوصف رائعة الممثل آل باتشينو "عطر امراة"؟! هل شاهد فيلم "ملائكة المدينة" لنيكولاس كيج وميغ رايان؟! هل شاهد فيلم "عقل جميل" لراسل كرو؟! أو فيلم "فورست غامب" لتوم هانكس؟! أو... أو...؟! هل شاهد فيلم "عمارة يعقوبيان"؟! هل قرأ "مائة عام من العزلة" لماركيز؟ هل غاص مع الطيب صالح في قصة الحياة والبشر في "موسم الهجرة إلى الشمال"؟ هل عاش مع بؤساء فيكتور هيغو؟ هل... وهل؟
"عطر امراة" هو قصة حياة الإنسان؛ اليأس والأمل، المعاناة والسعادة.. الحب والإرادة.. ومليون معنى تعيشه في تلك الساعات الثلاث، وإن لم تستطع توصيفها بالكلمات. ولا تستطيع أن تخرج بعد مشاهدة ذلك الفيلم إلا إنسانا آخر، تماما كما هي الحال بعد العيش مع مئات الأفلام والروايات والقصص الأدبية العربية والعالمية.
ليس فشلا أيها القارئ العزيز أن تتحدث عن أهمية الفن وروعته، وتأثيره الكبير في حياة البشر. قد لا يكون ذنبك أنك لا تعرف أن الفنون والآداب والفلسفة سبقت ومهدت، دائما، لكل ما تنعم به البشرية من تقدم وعلم؛ وأنها سبقت وقادت البشرية في كل ثوراتها السياسية والوطنية والإنسانية على مر التاريخ.
"عطر امرأة"، أو أي فيلم سينمائي أو رواية أو قصة أدبية، ليست قصة إنسان عابرة، أو "حدوتة" تروى لملء الفراغ؛ هي فضاءات إنسانية رحبة، تلخص النزوع البشري الأزلي نحو السمو والارتقاء والتقدم؛ هي انعكاس بقالب جميل وإبداعي لواقع كل واحد فينا؛ لهمومنا وأمالنا، لنزقنا وغضبنا وإحباطاتنا.. لعالم آخر جميل، وأكثر إنسانية وأخلاقية وعدالة.. نطمح إليه.
من حقنا أن نحلم بعالم واسع يبنى بالجمال والفن والأدب والفكر الإنساني المنفتح، لا بالحروب والقتلة والمنغلقين، وبعيدا عن دعاة الإقصاء والانغلاق، ومن يتوهمون أنفسهم مُلاك الحقيقة الوحيدين.
لم تؤثر كل الجيوش العربية، وللأسف، في عدونا الإسرائيلي كما أثرت كتابات وإبداعات إميل حبيبي وغسان كنفاني وسميح القاسم ومحمود درويش وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم. ولم تؤثر كما أثرت بعض الأفلام السينمائية العربية والفلسطينية، على تواضع عددها ومستوياتها، في قلعة هذا العدو، المقامة على الأكاذيب والتاريخ المزور وثقافة القتل والسطو على حقوق الشعب العربي الفلسطيني.
لا يخجلك الاعتراف، بل وتفخر أن رواية "أحدب نوتردام" أو "الشيخ والبحر" أو "رجال في الشمس"، أو فيلم "عطر امرأة"، قد أثرت كلها فيك وأسهمت في بنائك النفسي والعقلي والاجتماعي، تماما كما أسهم أهلك وبعض معلميك وأصدقائك، في صقل شخصيتك.
نعم.. لا شيء يخجل في الحديث عن "عطر امرأة".