عقدة الإضراب

يدخل الإضراب أسبوعه الثالث، ونحن أمام أزمة مستعصية، فلا الحكومة قادرة على التنازل وتلبية طلبات المعلمين، ولا نقابة المعلمين قادرة على فك الاضراب والتراجع، دون أي نتيجة، فيما الكتلة الثالثة أي الطلبة وأهاليهم، على مشارف خسارة ربع فصل دراسي.اضافة اعلان
القصة باتت واضحة الآن، فالحكومة وكما تقول إن لا مال لديها لتمنحه للمعلمين، لا هذا العام، ولا غيره، وهي تخشى بقية القطاعات أيضا، وتتسم لغتها حتى الآن بالنعومة غالبا، وتجنب سيناريوهات المواجهة الكبرى او العمليات الجراحية مع المعلمين، مثل حل مجلس النقابة، او الخصم من الرواتب، وهي حلول غير عاقلة ، طرحها بعض من هو قريب من الحكومة للضغط على المعلمين، ورفضتها الحكومة كليا.
نقابة المعلمين، أيضا، امام ظرف صعب، بسبب تأثيرات الاضراب على الطلبة، وعدم تجاوب الحكومة، بل واستحالة تعويض الطلبة، لمرور خمسة عشر يوما من عدم التدريس، إذ إن هذا يعني حاجة المعلمين الى خمسة عشر يوم سبت، لتعويض الطلبة، أي قرابة أربعة اشهر، وهذا مستحيل، مع مدة الفصل التي تستمر أساسا أربعة اشهر، ومر منها ثلاثة أسابيع حتى الآن، وهذا يعني في المحصلة، أن الضرر قد وقع، بسبب مشكلة الوقت.
الحكومة والنقابة تراهنان على كتلة أولياء الأمور، أي أهالي الطلبة، إذ إن الحكومة بكل نعومة سياسية، ودون تصعيد، تعرف أن أولياء الأمور، ليسوا ضد المعلمين، بل يحترمون المعلمين بشدة، ويتضامنون معهم، لكن الى متى سيصبرون على هذا الاضراب، وقد أكل ربع فصل دراسي كامل حتى الآن، واذا استمر، قد يؤدي الى نتائج أسوأ على الطلبة، والرهان الحكومي هنا على أن أولياء أمور اكثر من مليون ونصف مليون طالب، قد ينقلبون على المعلمين، بسبب حالة ابنائهم، خصوصا ان الحكومة تصيح ليل نهار، أن لا مال في الخزينة للدفع لهؤلاء.
بالمقابل يراهن المعلمون على ذات الرهان، أي كتلة الاهالي، عبر التحالف معهم، وايصال رسالة مفادها ان الضرر على ابنائهم سببه ليس نقابة المعلمين، بل الحكومة التي لا تريد أن تدفع حاليا، ولا ان تتعهد بالدفع لاحقا، ولا ان تعترف حتى بالعلاوة، ويراهن المعلمون هنا على ان صبر الناس، سوف ينفد وسوف يضغطون على الحكومة من اجل حل مشكلة المعلمين، عبر الوصول الى صفقة، من اجل مصلحة ابنائهم، وعودتهم الى المدارس، ويستند الرهان النقابي على فكرة تقول إن الناس، يعرفون ان وضع المعلمين سيئ في الأساس، وان الحكومات تستدين وتنفق يمينا ويسارا، فلماذا تبخل على المعلمين، فوق الاتهامات العلنية للحكومات السابقة في الأردن، بالفساد، وتبديد المال، لكنها عند القضايا المطلبية تتشدد، وتمتنع عن التجاوب بذريعة الوضع المالي ؟.
الواضح - حتى الآن- ان كتلة الأهالي، اختصرت على حالها جانبا من الازمة، فهي ليست ضد المعلمين، ولم ترسل الطلبة الى المدارس، فلماذا ترسلهم، وهناك اضراب، كما ان موقف الأهالي لن يبقى رماديا حتى النهاية، والسبب بسيط، إذ إن الوقت يمر والاسابيع تتوالى، فإلى متى سوف يصبر الأهالي، على حال ابنائهم، وكيف سيعبرون عن موقفهم النهائي، بعد وقت قصير، واذا ما كان سخطهم النهائي سيكون موجها ضد الحكومة وحدها، ام ضد المعلمين وحدهم، ام ضد الطرفين، معا؟!
السيناريو الأخطر، ترك نهاية الازمة، بين يدي الأهالي، امام الضرر الحاصل على ابنائهم، ومن هنا، لا يمكن لكل طرف يراهن على الأهالي، ان يضمن النتيجة، فقد يعلن الناس سخطهم ضد الحكومة، لعدم حلها مشكلة المعلمين، وقد يعلن هؤلاء سخطهم ضد المعلمين بسبب طول مدة الاضراب، وليس شرعيته او دوافعه، وقد يعلن الناس، سخطهم على الفريقين، حكومة ونقابة، كون الطلبة يدفعون الثمن، في كل الحالات.
لا يجوز ان تبقى هذه الازمة مفتوحة. لقد بتنا بحاجة الى حل وسط، يساعد المعلمين وينصفهم ماليا، ولا يؤدي لخسارة الحكومة من جهة ثانية، بحيث تتوزع الخسائر و الأرباح على كل الأطراف، وهذا هو الحل الوحيد، للخلاص من هذه العقدة، ومن حالة الندية والمواجهة داخل البلد.