علاج الألم بين الفعالية والأمان

عمان- يشكل ألم المفاصل والعضلات والروماتيزم تحديا كبيرا للأطباء والمرضى على حد سواء، وأسهم أسلوب الحياة العصرية الحالي بتفاقم المشكلة على المرضى مقارنة بالأوقات السابقة، حيث تغيرت طبيعة الحياة وتكاليف المعيشة التي تطلبت مزيدا من ساعات العمل وزيادة الوقت المأخوذ في أدائها من عمر الإنسان، وذلك لكي يوفر ما يغطي تكاليف الحياة، إضافة الى الهموم والمشاكل الأخرى، ومع أن الشخص في الأربعين كان ينهي متطلبات الحياة ويتفرغ لنفسه، لكن أصبح الآن يمضي سنين عمره في العمل، وكثيرون من الأشخاص قد يضطرون للعمل بعد الستين لكي يغطوا المصاريف وتكاليف المعيشة،اضافة اعلان
ما نقصده أننا الآن نضطر للعمل في مراحل عمرنا المتأخرة، بينما آباؤنا والأجيال السابقة كانوا يمضون مراحلهم العمرية المتأخرة في ترويح النفس.
وبالطبع، كل هذا الإرهاق والتعب يظهر على الشخص بشكل آلام في المفاصل والعضلات والروماتيزم، إضافة الى الأمراض الأخرى، حيث زادت نسبة السكري وارتفاع ضغط الدم والدهنيات مقارنة بالأجيال السابقة.
هنا سنتحدث بشيء من التفصيل عن ألم العضلات والمفاصل والعظام بشكل خاص، يتكون الجهاز الهيكلي العضلي من العظام والعضلات والأوتار والأربطة والمفاصل والغضاريف والنسيج الضام الذي يربط الأنسجة والأعضاء ببعضها بعضا. ويتعرض هذا الجهاز للعديد من الاضطرابات المرضية في مختلف مراحل العمر، وخصوصا مع التقدم في السن.
وفي معظم الاضطرابات العضلية الهيكلية، يكون الألم هو العرض الأكثر شيوعا ويتراوح بين الخفيف والشديد، وبين الحاد قصير الأجل إلى المزمن طويل الأمد، ويمكن أن يكون موضعيا أو منتشرا. وفي الغالب يكون مصدر الألم أحد مكونات الجهاز الهيكلي العضلي، وتكون الإصابات السبب الأكثر شيوعا.
وفي حالات أخرى، يمكن أن يكون مصدر الألم الضغط على أحد الأعصاب، مثل متلازمة النفق الرسغي ومتلازمة النفق المرفقي، فيميل الألم إلى التشعب على طول المسار المزود بذلك العصب، والذي قد يعطي شعورا بالحرقة، ويكون عادة مصحوبا بشعور بالنخز أو الخدر أو بكليهما.
ومن المهم أيضا أن نضع في الاعتبار أنه في بعض الأحيان يكون الألم في ظاهره عضليا هيكليا، ولكنه في الواقع ناجم عن اضطراب في جهاز عضوي آخر، كألم الكتف الناجم عن مرض بالرئتين أو الطحال أو المرارة، وألم الظهر الناجم عن حصى الكلى أو التهاب البنكرياس أو عن اضطراب الحوض عند النساء. وهناك الحالة الشائعة لألم الذراع ويكون مصدره نوبة قلبية أو احتشاء عضلة القلب مثلا.
آلام المفاصل
قد تنتج هذه الآلام عن التهاب المفاصل، وله أسباب كثيرة تنتج عن أمراض مختلفة يتم تشخيصها بأخذ التاريخ المرضي والفحص السريري وعمل التحاليل ومن ثم يتم وصف العلاج المناسب.
مرض الروماتويد، بصفته الأكثر شيوعا بين الأمراض الروماتيزمية، هو مرض مناعي يسبب ألما في المفاصل مع انتفاخ وتصلب فيها صباحا مع خمول، وقد يتطور فيؤثر في الأعضاء الداخلية وقد يعمل تشوهات في المفاصل وإعاقة إذا لم يعالج بالطريقة الصحيحة. كما قد يصاحب التهاب المفاصل مرض الذئبة الحمراء وهو عادة يؤثر في النساء صغيرات السن. وقد يتطور مرض الذئبة الحمراء إذا لم يشخص مبكرا بالتهاب في الكلى وقصور في وظيفتها.
والتهاب المفاصل المصاحب لمرض الصدفية والتهابات القولون، أو الناتج عن التهاب جرثومي في المسالك البولية أو الأمعاء. وقد يكون التهاب المفاصل مصاحبا لبعض الفيروسات مثل الحصبة الألمانية، وعادة يكون مؤقتا ولا يؤدي إلى أي تشوهات. وأيضا، هنالك الحمى الروماتيزمية التي تنتج عن التهاب جرثومي بالحلق، وقد يصاحبها التهاب في أغشية القلب ويؤدي ذلك إلى تشوهات في صمامات القلب.
معظم هذه الأمراض لا تؤدي لأي مضاعفات إذا ما تم تشخيصها وعلاجها مبكرا.
علاج الألم
الألم هو السبب الرئيسي لمراجعة المرضى للأطباء، ويعد عبئا عالميا وفقاً للإحصائيات العالمية التي توضح بيانات معدل حدوث الألم الحاد، حيث إنه من المتوقع أن يكون كل البشر بوجه عام قد تناولوا مسكنا للألم ولو مرة على الأقل في حياتهم، وأن أكثر من 50 في المائة من البشر قد عانوا ألما حادا في الأشهر الثلاثة الأخيرة وأن النساء أكثر عرضة للألم من الرجال. وحسب إحصائيات الجمعية البريطانية للألم، فإن 7 من كل 10 أشخاص يراجعون أقسام الطوارئ بشكوى معاناتهم من الألم الحاد الذي يجعل أكثر من 50 في من المرضى ينامون بالمستشفى.
أما عن الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي تنتج عن الإصابة بالألم الحاد، فإنها على سبيل الذكر لا الحصر، تحد من ممارسة الأنشطة المفضلة وتعوق الروتين اليومي، كما تؤثر في الأوقات التي نقضيها مع الأسرة بجانب الإصابة بالأرق الذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الاكتئاب والغياب عن العمل، ما قد يؤثر في الاقتصاد بشكل كبير.
أما عن آخر التوصيات الطبية من كلية الأطباء الأميركية والأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة التي نشرت العام 2020، فإنها توصي بأن علاج الألم الحاد والإصابات العضلية الهيكلية تكون بالمسكنات الموضعية كعلاج أولي للتخفيف من الأعراض والحد من الألم والتحسين من الأداء الحركي للمرضي.
ومن أشهر المسكنات الموضعية عقار "ديكلوفيناك" الذي استخدم لعلاج أكثر من مليار مريض في 120 دولة حول العالم على مدار 30 عاما منذ إنتاجه أول مرة، ويرجع هذا الانتشار الواسع بسبب خصائصه الدوائية، فهو يتركز في مواضع الألم ويقل تركيزه في الدم، ما يقلل من آثاره الجانبية مقارنة بالمسكنات الأخرى.
ويوجد منه أشكال صيدلانية مختلفة منها الكبسولات والجل، إلا أن أحدثها هو الرقعة اللاصقة الطبية التي تعد الأكثر أمانا كونها علاجا للآلام والالتهابات الموضعية، وينطبق الأمر على العديد من الأصناف الدوائية الأخرى مثل الايبوبروفن.
ألم هيكلي عضلي للكبار
آلام العضلات والأوتار غالبًا ما تكون التهابًا، إضافة إلى اضطرابات أخرى مثل التهاب المفاصل التنكسية، وهي شكوى شائعة بين الناس بغض النظر عن العمر والجنس، سيعانون آلاما في العضلات والمفاصل في وقت ما من حياتهم، ابتداء من أعلى العمود الفقري بالعنق وانتهاء بأطراف الأصابع في اليدين والقدمين.
قد يحدث الألم بسبب التهاب وعدوى، إصابات، ألم عصبي في الأرداف، داء اضطراب الأوعية الدموية، وقد يكون السبب نفسيا. ويمكن تصنيف الألم بطرق متعددة، فهناك الألم الحاد لأقل من 6 أسابيع كما هو الحال في الالتهابات وألم الكسور والتهابات اللثة والأسنان، ويختفي تماماً عند زوال العامل المسبب له عن طريق المعالجة المبكرة، وإلا فقد يتحول إلى ألم مزمن. وقد يكون ألم العضلات موضعيًا أو منتشرا، وألم المفاصل قد يكون أحادي المفصل أو متعدد المفاصل.
لا يقتصر تأثير الألم على المريض جسديا فقط، وإنما تكون له أيضا تأثيرات نفسية وأحيانًا اجتماعية واقتصادية وفي العمل، وغالبا ما تمتد التأثيرات إلى الأسرة. ومن المألوف أن نرى هذا المريض متنقلا بين عيادات الأطباء المختلفة: طب الأسرة، جراحة العظام، الأمراض الجلدية، وإلى عيادة الألم والعلاج الطبيعي وتقويم العمود الفقري. إنه ينفق المال والوقت ويتحمل الصبر والجهد بسبب الألم محاولا السيطرة عليه. ويجب أن يكون طبيب الأسرة مؤهلاً بدرجة كافية لتقييم أي ألم عضلي من خلال أخذ التاريخ المرضي وإجراء الفحص السريري مع الفحوصات لاتخاذ القرار بشأن التشخيص الدقيق والعلاج.
العلاج
يجب الوصول الى إدارة حكيمة لألم الجهاز الهيكلي العضلي، من خلال اتباع الخطوات الآتية:

  • التوضيح للحالة وشرح الخطة العلاجية بلغة يمكن للمريض فهمها؛ كالرسم والصور ومقاطع الفيديو.
  • بعث الطمأنينة للمريض حول طبيعة المشكلة والتشخيص والدعم وتوفر العلاج والرعاية الطبية.
  • النصيحة بتناول العلاج الدوائي، دعم المفاصل، تجنب بعض الأنشطة التي قد تؤدي إلى تفاقم الألم، مع بعض التدابير الوقائية لمنع تكرار الحالة.
    الأدوية ووصفها للمريض
    مناقشة الخيارات ومشاركة القرارات، نوع الدواء، لماذا، وما الآثار الجانبية المتوقعة، إجراء تجربة على الدواء، إيقاف الدواء عند ظهور مخاطر.
    ثم تأتي خيارات علاج الألم والتي تعتمد على مسار الألم والتلف العصبي المركزي أو المحيطي، وهي: دوائية، طب طبيعي، طب سلوكي، تعديل عصبي، أساليب تداخلية أو جراحية. وتشمل الأدوية: مرخيات العضلات، مسكنات (أسيتأمينوفين)، أدوية مضادة للالتهابات غير استيرويدية (NSAID)، أدوية مضادة للصرع (جابابنتين، بريجابالين)، مهدئات قوية أفيونية وترامادول.
    الصيدلي إبراهيم علي أبورمان/ وزارة الصحة