علاقة أردوغان وبوتين في اختبار صعب

1
1

نيكولاس مورغان* - (أحوال تركية) 9/3/2020

ثمة قواسم مشتركة تجمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين؛ فكل منهما يُعد شخصاً قوياً ومستبداً يشعر بالغبن من ما يراه نظاماً دولياً ظالماً يهيمن عليه الغرب.
وكان لهذا التشابه فوائد ملموسة للطرفين. فقد نجح أردوغان في وقف روسيا عن الهجمات التركية على القوات الكردية السورية، واحتلال مساحات من الأراضي في شمالي سورية. وبالنسبة لبوتين، خدم تشجيع أردوغان الجهود الروسية الرامية إلى بث الفرقة داخل حلف شمال الأطلسي، من خلال استخدام تركيا ضد شركائها في الحلف، وخصوصاً الولايات المتحدة.
لكن أردوغان توجّه إلى موسكو مجدداً مؤخراً لعقد لقاء مع بوتين بعد اشتعال الوضع في مدينة إدلب شمال غربي سورية، والتي كانت هناك مساع لإرساء السلام فيها عبر اتفاق بين تركيا وروسيا جرى توقيعه في مدينة سوتشي الروسية في أيلول (سبتمبر) من العام 2018. وقد انهار ذلك الاتفاق بعد أن شنت قوات الرئيس السوري بشّار الأسد هجوماً أدخلها في صراع مباشر مع تركيا.
وجرى تطويق نقاط المراقبة التركية، التي سُمح بها في إطار اتفاق العام 2018، وقُتل عشرات الجنود الأتراك في اشتباكات مع دمشق، في أكبر خسائر بشرية تتكبدها تركيا. حدث ذلك في الثامن والعشرين من شباط (فبراير)، عندما قُتل أكثر من 30 جندياً تركيّاً. ومنذ بداية شباط (فبراير)، أرسلت تركيا أكثر من سبعة آلاف جندي تركي إلى إدلب، واستهدفت الطائرات المسيرة والمدفعية التركية قوات الحكومة السورية رداً على ذلك الهجوم.
وفي موسكو، أقر بوتين وأردوغان بالحاجة إلى الدبلوماسية الشخصية، بالنظر إلى فداحة الكارثة في إدلب. وبعد مباحثات بين الوفدين استمرت لست ساعات، أُعلن عن بدء وقف جديد لإطلاق النار منتصف السادس من آذار (مارس)، بالإضافة إلى تسيير دوريات روسية تركية مشتركة في طريق (إم-4) شرق-غرب، للمساعدة على إعادة فتح الطريق أمام حركة المرور التزاماً بالوعود التي جاءت في اتفاق سوتشي الأصلي. وأُسندت إلى وزراتي دفاع البلدين مهمة اتخاذ القرارات بشأن التفاصيل الأخرى.
وقالت ماريانا بِلِنكايا، الكاتبة في صحيفة "كومِرسانت" الروسية "إن بوتين وأردوغان اتفقا على وقف لإطلاق النار في منطقة عدم التصعيد في إدلب. والأهم من ذلك، أنهما اتفقا على الإقرار بواقع جديد على الأرض. وأضافت أن روسيا عولت -من أوجه عدة- على هذا الخيار كنتيجة، على الرغم من مطالبة أردوغان من قبل بانسحاب الأسد إلى الحدود الأصلية المنصوص عليها في سوتشي.
لكن بلنكايا قالت إن سياق هذا الاجتماع مختلف عن غيره في السنوات السابقة. وأضافت "أن هذا الاجتماع جاء على خلفية تفاقم الوضع في إدلب، عندما كانت روسيا وتركيا على وشك الدخول في اشتباكات عسكرية. وأُجريت اللقاءات السابقة في ذروة نجاح العلاقات الثنائية مع إطلاق خط أنابيب الغاز "ترك ستريم" والاتفاق بشأن ليبيا"، وذلك في إشارة إلى لقاء أردوغان السابق مع بوتين في إسطنبول في شهر كانون الثاني (يناير).
خلال القمة، بدا الرجلان محاطين بهالة، كما لو كانا ملكين متوّجين في المنطقة، حيث عملا كشريكين في حل مشاكلها. وفي ذلك اليوم، دُشّن خط أنابيب "ترك ستريم"، الذي تنشئه شركة غازبروم الروسية بمليارات الدولارات، وأُعلن وقف لإطلاق النار في ليبيا -حيث يدعم كل منهما أحد طرفي الصراع المتناحرين. كما أُعلن أيضاً وقف لإطلاق النار في إدلب، التي بدأ فيها الهجوم الجديد في كانون الأول (ديسمبر) 2019.
على الرغم من أن هذين الاتفاقين كانا يبدوان رائعين في الظاهر، فإنهما لم يحقّقا نجاحاً. فقد انهار اجتماع لطرفي الصراع الليبي في موسكو، ولم يحقق الكثير للوصول إلى تسوية سياسية. وبالنسبة لوقف إطلاق النار في إدلب، فقد أخفق بصورة أكبر؛ حيث لم يصمد سوى أيام قبل أن تتواصل المناوشات والقصف الروسي.
وخلال شباط (فبراير)، كانت العلاقة بين تركيا وروسيا مشحونة بصورة أكبر، وسط المناوشات بين القوات التركية والسورية في إدلب. وقُتل أكثر من 50 عسكرياً تركياً ومئات من القوات الحكومية مع توغل القوات السورية في إدلب بعد استعادة الطريق السريع (إم-5) شمال-جنوب وريف حلب. وفرّ نحو مليون سوري باتجاه تركيا، التي حذّرت من أنها لا تستطيع استيعاب الأعداد الجديدة.
وحمّل أردوغان جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الانتهاكات لدمشق. ولكن، على عكس الهجمات السابقة، لام أردوغان روسيا أيضاً لأنها سمحت لدمشق باستهداف المدنيين وخرق اتفاق سوتشي. وبعد أن قتلت غارة جويّة 33 عسكرياً تركياً الأسبوع قبل الماضي، قال أردوغان إنه حذر بوتين في مكالمة هاتفية، هي الثانية في سبعة أيّام، بأن "يبتعد عن الطريق".
وعن مضمون هذه المكالمة، قال أردوغان في إسطنبول: "سألت السيد بوتين: ما شأنك هناك؟ إذا كنت تؤسس قاعدة، فافعل. لكن ابتعد عن طريقنا ودعنا والنظام وجهاً لوجه".
ومنذ ذلك الحين ردّت تركيا بعنف؛ حيث أسقطت عدداً من الطائرات السورية، ودمّرت أهدافاً حكومية في هجمات بالطائرات المسيّرة، واستعادت بلدة سراقب بصورة مؤقتة. وأقر بوتين يوم الخميس قبل الماضي بهذه الخسائر في الجانب السوري.
كانت المفاجأة صادمة لروسيا في البداية، لكنها سرعان ما ردّت بأن حذّرت من أنها لا تستطيع ضمان سلامة الطائرات التركية في الأجواء السورية بعد أن أعلنت دمشق إغلاق المجال الجوي في إدلب. وبعد استعادة الحكومة بلدة سراقب، انتشرت الشرطة العسكرية الروسية فيها لردع تركيا عن شن هجوم مضاد. وأفادت وكالة "رويترز" بأن عدد الطائرات الروسية المقاتلة والرحلات الجوية إلى سورية قد ازداد تحسباً لاحتمال إغلاق تركيا مضيق البوسفور أو مجالها الجوي أمام القطع الروسية على نحو يعقّد جهود إعادة التموين والإمداد.
وقالت جنى جبور، أستاذة العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس والخبيرة في الشأن التركي، إن الجانبين يحاولان زيادة مكاسبهما العسكرية لتعزيز وضعهما في إدلب، وتوقعت أن يكون تأمين طريق (إم-4) السريع جزءاً من أي تسوية.
وأضافت جبور "أن الوضع الحالي وميزان القوة على الأرض في إدلب لا يصبّان في مصلحة تركيا. فأي حرب مفتوحة يطول أجلها تنذر بتقويض قدرة تركيا على الانتشار أو التعبئة في سورية".
وفي مؤتمر صحفي عقب اجتماعهما، أقر بوتين وأردوغان بصعوبة المفاوضات وقالا إنهما مستمران في التعاون. وقالت جبور أن أي صدع في العلاقات بسبب الخلافات بشأن إدلب أمر غير مرغوب فيه، مقارنة مع البدائل الأخرى المتاحة لإنهاء الحرب السورية.
وقالت جبور: "على الرغم من أن كل من أردوغان وبوتين يدعمان أطرافاً مختلفة، فإنهما متفقان على أمر مهم جداً، وهو أن حل الأزمة السورية يجب أن يكون إقليمياً، وأن يكون من صنعهما، وليس حلاً دولياً يأتيهما من الغرب". وأكدت أن لدى تركيا وروسيا شغفا بالحفاظ على وضعهما كقوتي وساطة في سورية.
وحتى إذا رأى بوتين وأردوغان أن علاقاتهما الشخصية قوية بما يكفي للخروج من هذه العاصفة، فإن السؤال الملح الذي سيظل يطرح نفسه هو كيف ستؤثر الهفوات المتكررة في إدلب على العلاقة الروسية التركية الأوسع.
تقول بلنكايا: "من المؤكد أن الوضع في إدلب تغيّر كثيراً. وهذا يجعلني أتساءل عن مدى قوة التحالف الروسي التركي في سورية وبشكل أعم".
وحذّرت كارول سايفِتز، المستشارة الأولى لبرنامج الدراسات الأمنية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من أنه ما يزال هناك وقت لانهيار وقف إطلاق النار، ومن أن الأسد هو الطرف الذي من المحتمل أن يفسد وقف إطلاق النار هذا.
وقالت: "يبدو أنهما اتفقا على وقف هش لإطلاق النار. فالدوريات المشتركة لن تبدأ قبل 15 آذار (مارس)، والكثير يمكن أن يحدث في عشرة أيّام،" مشيرة إلى تصريحات أردوغان بعد القمة، والتي قال فيها أن تركيا تحتفظ بحقها في الرد على الأسد.
وأضافت سايفِتز أن أردوغان وبوتين ما يزالان يدركان قيمة شراكتهما، لكنهما يعتقدان أن إدلب غيّرت تحليلهما لحسابات المكسب والتكلفة.
واختتمت حديثها بالقول "إن استخدام بوتين لتركيا في إضعاف حلف شمال الأطلسي ما يزال يخدم هدفه. أما بالنسبة لأردوغان، فأعتقد أن ارتباطه بروسيا فقد بعض فوائده؛ فروسيا لم تتردد أبداً في مهاجمة القوات التركية. ووجد أردوغان نفسه فجأة في حاجة إلى حلف شمال الأطلسي من جديد".

اضافة اعلان

*صحفي مختص بالشأن التركي والروسي.