علم نفس المتدين

qcp9gjj2
qcp9gjj2

د. أحمد ياسين القرالة

يجب أن نعترف أننا ولأسباب عديدة وقفنا من علم النفس موقفاً سلبياً ونظرنا إليه نظرة ريبة وشك، وتوخينا الحذر التام من الاقتراب منه، على اعتبار أنه علم غريب عنا وأن ما عندنا من العلوم والمعارف يغني عنه ويفي بالغرض، كما أن الخلفيات الدينية أو التوجهات الأيديولوجية لبعض علمائه وفلاسفته عززت مثل هذا الموقف، ونظراً لوجود بعض الآراء والمواقف التى تبناها بعض علمائه والتي يرى البعض أنها تتعارض مع النصوص الدينية أو تتصادم مع ما ألفناه واعتدنا عليه، جعلنا نبتعد عنه أكثر فأكثر.اضافة اعلان
ولكن هذا الموقف ما عاد مقبولاً اليومَ خاصة بعد أن تطورت العلوم الإنسانية تطوراً هائلاً وأضحت مناهج البحث فيها وأدواته العلمية لا تقل في دقتها وصرامتها عن مناهج البحث في العلوم الطبيعية، فلم يعد علم النفس مجرد نظريات فلسفية أو تأملات ذاتية أو رؤى مذهبية أو اعتقادات دينية، بل أضحى علماً منهجياً تُدَرس فيه الأمور دراسة كيفية وكمية وتجرى فيه البحوث المخبرية وتستخدم فيه أدوات القياس المادية والنظرية، ويمكن وبالبحث العلمي التحقق من صدق نتائجه والتثبت من صدقيتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما تطور هذا العلم وانبثقت عنه علوم فرعية أخرى كعلم نفس الجنائي وعلم نفس الإداري وعلم النفس الإيجابي وغيره من الفروع التي تحاول دراسة النفس الإنسانية في ظروفها المختلفة، وتبين أثر تلك الظروف على النفس الإنسانية وما ينشأ عنها من علل وأمراض.
ونظراً لما للتدين من أثر كبير في بناء تصورات المتدينين وتحديد معاييرهم وأحكامهم وطريقة تعاملهم مع عوالم الأشخاص والأفكار والأشياء، ولما له دور عظيم في تشكيل نفسياتهم وتوجيه تصرفاتهم، كان من الضروري وجود علم خاص بنفس المتدينين يدرس العلميات العقلية والنفسية التي يتحلى بها المتدينون، ويتولى تحليل وتفسير تصرفاتهم واستخراج القواعد والقوانين العامة التي تحكمها من أجل ضبطها والتحكم فيها والتنبؤ بما تؤول إليه الحالة النفسية الناتجة عن الأفهام والسلوكيات الدينية المختلفة.
لا يخرج المتدين عن كونه إنساناً يجري عليه ما يجري على غيره من قواعد وقوانين، وباعتبار حالة التدين التي التزمها قد يكون له حالة فرعية خاصة تستدعي الدراسة والاهتمام من أجل تنمية وتعزيز آثارها الإيجابية، والتخلص من السلبيات والأمراض النفسية أو السلوكية التي يفرزها التدين الخاطئ والعمل على وقاية مجتمع التدين منها.
كلنا أمل أن تنبري أقسام علم النفس في جامعاتنا الأردنية لسدِّ الفراغ في هذا المجال، من خلال البحوث العلمية المتخصصة أو الرسائل والأطاريح العلمية، ومن الضروري جداً في هذا المجال اعتماد الوحي كمصدر مهم للمعرفة والاستفادة من التراث الإسلامي خاصة والتراث الديني عامة.