على أطلال أمّة!

وفق المعايير العربية والإسلامية السائدة في ما يسمى عرفاً أو أمنية "الوطن العربي"، بدا يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي يوماً أكثر من عادي.

اضافة اعلان

ففي العراق، كان الموت يحصد أرواح مئات العراقيين، فيما ارتفعت حصيلة المواجهات بين حركتي "التحرير الوطنيتين" في فلسطين، فتح وحماس، الى 27 قتيلاً و75 جريحاً، بمقتل أربعة فلسطينيين، بينهم طفل، في ذلك اليوم. أما في لبنان، فقد كان أمين عام حزب الله يلقي خطاباً يعيد فيه التأكيد على عصمة كل من أيده (وليس أعضاء حزبه فقط)، في مقابل عمالة "العدو الحاكم" الذي يضم أقطاباً تعمل على "إثارة الفتنة بين الشيعة والسنة خدمة لإسرائيل".

فإذا ما استثينا ما يمكن اعتباره تحسناً ملتبساً لمستوى وطنية الفريق الحاكم في لبنان على مؤشر حسن نصرالله للخيانة والوطنية، من خلال عودة هذا الأخير إلى التأكيد على الخيار السياسي كحل وحيد للأزمة في لبنان، لا يبقى هناك ما هو استثنائي ضمن ما سبق، وبأي حال من الأحوال!

إذ بالنسبة للعراقيين، يبدو العدد الضخم السابق للضحايا مألوفاً، لا سيما بعد أن بات مرجحاً أن العملية ضد جماعة "جند السماء" (المفترض أنها مجموعة إرهابيين جاؤوا من أفغانستان وإيران)، والتي حصدت الجزء الأعظم من الضحايا العراقيين في ذلك اليوم، لم تكن سوى عملية إبادة وتصفية شيعية-شيعية خالصة! أما بالنسبة للفلسطينيين، فلم يكن ذاك اليوم سوى الرابع من مواجهات ستستمر بعد ذلك أياماً وأياماً، يغدو فيها الدم الفلسطيني المحرم مستباحاً ومألوفاً تماماً!

لكن من عكر صفو المأساة أو المآسي العربية الرتيبة في ذلك اليوم، وجعل من الثامن والعشرين من كانون الثاني يوماً استثنائياً، فلم يكن -وكما العادة- إلا عدو العرب الحاقد إسرائيل! ففي ذلك اليوم تحديداً، كان مجلس الوزراء الإسرائيلي يعلن الموافقة على تعيين العربي المسلم غالب مجادلة وزيراً في الحكومة الإسرائيلية، فيما يمثل قراراً تاريخياً هو الأول من نوعه منذ إنشاء إسرائيل!

ولإجلاء صورة تماماً، فإنه فيما كان العرب الذين إن لم تكفهم لغة الضاد والتاريخ ليكونوا أمةً، كان لديهم الإسلام، يذبحون بعضهم على ذات خطوط الوحدة السابقة، جاعلين منها خنادق حرب متقابلة، كانت إسرائيل الغاصبة والعنصرية تسوّق للعالم الصورة الأكثر حضارة عن استيعابها لمواطنيها كافة، بمن فيهم العرب والمسلمون. وليس الجدل هنا حول ما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا من وجهة نظر عربية، بل هو إقرار بما يراه العالم ويبني عليه مواقفه التي تمس العرب بل وتذبحهم أحياناً.

عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، طرح الأميركيون السؤال الشهير بشأن العرب والمسلمين: لماذا يكرهوننا؟ لكن الأجدر بطرح السؤال ذاته، أو على الأقل: لماذا لا يفهموننا فيظلموننا ولا يقرّون حقوقنا؟ هم العرب والمسلمون ذاتهم! وفي الإجابة، لا بد من استحضار أسباب كثيرة جد موضوعية، يظل من أهمها مفهوم المواطنة، واحترام حقوق الإنسان، والممارسة الديمقراطية الداخلية.

وإذا كان مشروعاً -إنما إلى حد ما- التذرع بالاحتلال في العراق لتبرير المأساة هناك، فهل يمكن استخدام ذات التبرير في فلسطين، حيث يتم التعويض على جدران الفصل المذهبية والعرقية بأخرى تنظيمية حتى يغدو القتل مشروعاً؟ ربما (من دون القول "ما أسهلها من أمة على الاختراق الخارجي"). لكن ماذا عن الديمقراطيين العرب الذي لا يوازي نشاطهم وحماسهم في دعم الديكتاتوريات أي نشاط أو حماس، هذا إن كان لهم دور آخر أصلاً؟! فبسوء نية أو بجهالة، وفي ذات الوقت الذي ينجح فيه هؤلاء في بيع شعاراتهم المؤيدة لامتهان كرامة الإنسان العربي داخلياً، فإنهم يبيعون كرامة أجيال عربية قادمة لعدو الخارج، ومعها بعض أرض تمتد إلى ما هو أكثر من فلسطين.

الدم الذي يبدو ثمنه بخساً بين أهله لا يمكن أن يكون غالياً لدى سواهم، وكذلك الحال تماماً بالنسبة للكرامة وما دونهما. وبقدر ما أن المواطنة شرط حياة في الداخل، فإنها شرط تحرير في مواجهة الخارج، أو بمساندته.

[email protected]