على المجتمع الدولي التحلّي بالجرأة في دعم الأردن

يانك مارتن*

منذ بدء الأزمة السورية في 2011، أجبر السوريون على مغادرة منازلهم بمعدل يتجاوز الثلاثة اشخاص لكل دقيقة واحدة خلال السنوات الست الماضية. إن العدد البالغ 22,3 مليون سوري مُهجَّر، والمجتمعات المجاورة المضيفة التي يقوم المجتمع الدولي بتقديم العون لها، هي التعبير الصارخ عن واقع هذه الازمة. فبينما لا تُسعف المبالغة بالوصف بإعطاء تصور دقيق للحجم الحقيقي لأي أزمة إنسانية، فقد شكلت الأزمة السورية تحدياً لجميع العاملين في المجال الإنساني على الصعيد المعنوي والعملي والنفسي.اضافة اعلان
يجتمع العالم في بروكسل هذا الأسبوع للتباحث في مستقبل سورية وكيفية الاستمرار بمساعدة العدد المتزايد من الناس المتأثرين بالأزمة وتشعباتها. إن المساعدة المستقبلية للنمو الاقتصادي للأردن واستقراره والاحتياجات المتعلقة بتوفير الحماية للملايين من المُهَّجرين السوريين في المنطقة يجب أن تكون في صُلب هذه المباحثات، فإن أي بلد يتعرض إلى زيادة سكانية تصل إلى عشرة بالمائة من عدد سكانه خلال ست سنوات فقط، بالإضافة إلى اضمحلال التجارة الإقليمية، سيشعر بضغوط هائلة وبأنه على شفير الانفجار الداخلي. حيث أن ما يقود لهذا الانفجار الداخلي ليس وجود السوريين وإنما تراجع التجارة مع كل من سورية والعراق، وفقدان الطرق التقليدية لتحصيل الدخل مثل السياحة، والضغط على الخدمات العامة التي يجب أن تتكيف بشكل لم يكن مخطط له. إن المساهمات السخية التي يقدمها المجتمع الدولي لا يمكنها لوحدها فقط تعويض هذه الخسائر حيث تجد الحكومة الأردنية نفسها مجبرة على زيادة الضرائب مما يؤدي بدوره إلى تعميق السخط الشعبي الذي يؤثر على التماسك والاستقرار الاجتماعيين. ومع أنه من الواضح جدا إن كل ذلك يقود إلى الدخول في حلقة مفرغة، لا يوجد إلا عدد محدود من البدائل.
وكهيئة تنسيقية تمثل 54 منظمة من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في الأردن، فقد شهدنا رسم الخطوط الحمراء التي مع مرور الزمن أصبحت أقل حُمرة. في حين كانت محاولاتنا لإقناع صناع القرار بتبني استجابة مبنية على مبادئ الإنسانية والحيادية وعدم التحيز دون جدوى عندما كان همهم الشاغل هو إيقاف تدفق السوريين إلى حدود بلدانهم.
لقد قامت السلطات الأردنية والشعب الأردني بما هو مذهل من الجهد وحسن الضيافة للتعامل مع ما أنتجته الأزمة من تبعات ولتوفير السكن لمئات الآلاف من جيرانهم السوريين. ولكن مدح الأردن على جهوده يجب أن يقترن أيضاً بنظرة إلى الواقع. فالحقائق تبقى أن نسبة هائلة تبلغ 87% من اللاجئين السوريين في الأردن تعيش تحت خط الفقر المحلي، وأن عمالة الأطفال والزواج المبكر في ازدياد نتيجة لأن الموارد أصبحت أكثر ندرة، وأن ما لا يقل عن 45 الف سوري ما زالوا عالقين عند الحدود الشمالية الشرقية للأردن، يعانون من شح الموارد وليسوا قادرين على الاستمرار باتجاههم نحو الأردن أو العودة من حيث أتوا. يجب أن يكون هناك حس متجدد بالمساءلة من جميع الأطراف الفاعلة من أجل إنقاذ جيلنا من العار الذي قد يلحق بنا إذا لم نقم بفعل الواجب في الوقت المناسب.
وبالرغم من كل هذا، هناك أحياناً ما يبعث الأمل. فبعد عام على وثيقة التفاهم التي عقدت مع الأردن خلال مؤتمر لندن والتي فتحت آفاقاً واسعة، وكان الهدف منها دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، وتحسين الوضع الاقتصادي للاجئين السوريين وحصولهم على فرص للتعليم، يأتي مؤتمر بروكسل كنقطة التقاء مفيدة للبناء على ما تحقق من تقدم وتحديد طرق للسير قدماً. كما يجب أن تكون هذه بمثابة فرصة لتثمين دور الحكومة الأردنية وعلى الجرأة والقيادة المبدعة التي تقف وراء هذه الخطة، ومن المهم التأكيد على النجاحات مع فهم النواقص التي يجب تحسينها لاحقاً.
 رغم أن ثلث الأطفال السوريين غير ملتحقين بالمدارس فقد كان هناك تقدم مهم نحو زيادة فرص حصولهم على التعليم، مثل افتتاح 198 مدرسة تعمل بفترتي دوام في أرجاء المملكة، وتطبيق برامج واسعة لتدريب المعلمين، مما نتج عنه التحاق ما يقارب 27 الف طالب سوري جديد بالمدارس الرسمية خلال العام الدراسي 2016-2017. وفيما يتعلق بفرص كسب المعيشة فالآن بإمكان اللاجئين السوريين الذين يعيشون داخل المخيمات الحصول على تصاريح عمل – دون دفع رسوم – لغايات العمل خارج المخيمات وقد بدأت المبادرات التي تسعى لتكون جسراً بين فرص العمل والباحثين عن تلك الفرص بتكوين حلقة وصل بين السوريين وما يتوفر من فرص للعمل. بالإجمالي، فقد تلقى أكثر من 41 الف سوري تصريحاً للعمل مما ساعدهم بالخروج من القطاع غير الرسمي.
إن السبيل الوحيد للبلد للمضي قدماً هو النمو الاجتماعي والاقتصادي الذي من خلاله يمكن إشراك واستفادة جميع الفئات المقيمة، بشكل دائم أو مؤقت، في الأردن. وهذا يشمل الإتاحة المستمرة للفرص الاقتصادية الموجهة للاجئين، وإتاحة الحصول على تعليم ذي جودة عالية، وتوفير الحماية للوضع القانوني للاجئين، وهو ما أراها على أنها الركائر الرئيسية الثلاث للاستجابة المستقبلية للأزمة السورية في الأردن. إن الحكومة الأردنية بحاجة للاستمرار في سياستها وإصلاحاتها البنيوية لتحقيق تلك الغاية. ولكن لا تستطيع الحكومة القيام بذلك لوحدها. فيجب على المجتمع الدولي رفع مستوى المساعدة المالية والمتخصصة والتوقف عن البحث عن أطراف داخلية لإلقاء اللوم عليها. لقد حان الوقت لإظهار القيادة والرؤية والإنسانية، فهذا هو أقل ما يستحقه اللاجئون السوريون ومضيفوهم في بلدان مثل الأردن.

* يانك مارتن هو المنسق القُطري لمنتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن، وهو شبكة تضم 54 منظمة من المنظمات غير الحكومية الدولية، التي نفذت برامج تبلغ قيمتها أكثر من 326 مليون دولار من المساعدات الإنسانية والتنموية في الأردن في العام 2016 وقامت بتشغيل أكثر من 4 الاف و400 أردني.