على اليسار عدم الخوف من يساريته

هآرتس

*يوسي يونا

اثير مؤخرا، من جديد، النقاش العام حول مواقف حزب العمل السياسية وعلاقته باليسار. ازاء انتقاد الذين يقولون إن الحزب يموه الفوارق بينه وبين اليمين السياسي فإن رؤساء الحزب ك وقليل من الأعضاء يقولون إن الحزب يحمل طابعا يساريا جدا، ويطلبون منه التنكر سواء لصفة "حزب يسار" أو اجندة تتماهى مع اليسار. بدل ذلك يقترحون اجندة سياسية قريبة جدا من مواقف اليمين، ويطلبون ضم المناطق في الضفة الغربية. هذا الطلب يعارض موقف المعسكر الصهيوني وموقف اغلبية أعضاء حزب العمل.
صحيح أن هناك موافقة في اوساط الاغلبية الساحقة من أعضاء حزب العمل على أن إسرائيل يجب عليها عدم العودة إلى حدود حزيران 1967، مع ذلك موقف الحزب هو أنه باستثناء القدس فإن كل فرض للسيادة الإسرائيلية على مناطق اخرى في الضفة الغربية، يجب أن يتم فقط كجزء من اتفاق دائم وشامل بيننا وبين الفلسطينيين.
ازاء هذا الموقف فإن المعسكر الصهيوني صوت دائما ضد كل مشاريع القرارات التي هدفت إلى تشجيع الضم الزاحف للمناطق عن طريق ضم هذا الجزء أو ذاك في ارجاء الضفة الغربية. أو التي هدفت إلى ازالة بطرق غير مباشرة ومراوغة الخط الاخضر. تبريرات ذلك واضحة: جهود الضم المتواصلة تؤدي إلى انقسام داخلي في المجتمع الإسرائيلي، وتهدد باحباط كل امكانية للتوصل إلى اتفاق سلام في المستقبل مع الفلسطينيين وتحكم بنهاية مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
صحيح أن حزب العمل احتاج إلى وقت كبير إلى أن قاده الاعتراف بخطورة هذا الوضع إلى تغيير مواقفه. رؤساء الحزب نفوا في السابق وجود الشعب الفلسطيني تماما (كما قالت غولدا مئير)، حتى أنهم أيدوا بحماسة مشروع الاستيطان (انظروا شمعون بيرس)، لكن في نهاية الثمانينيات وفي اعقاب الانتفاضة الأولى، تبلور في الحزب مفهوم أنه لا مناص من تقسيم البلاد والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في الضفة الغربية وقطاع غزة. يتسحاق رابين وشمعون بيرس لهما حق كبير أنهما ارادا تطبيق هذا الاعتراف نظريا وعمليا.
إن موقف الجمهور الإسرائيلي من الصراع المستمر بيننا وبين الفلسطينيين غير قاطع. فمن جهة الجمهور الإسرائيلي يشكك في وجود شريك فلسطيني جدي للمفاوضات من اجل التوصل إلى اتفاق دائم. ومن جهة أخرى، كما تشير الاستطلاعات المرة تلو الأخرى، الاغلبية الساحقة من الجمهور تعتقد أنه لا يوجد بديل عن حل الدولتين لشعبين. بهذا المعنى، ما زال هناك لمواقف اليسار السياسية مكانة قوية في اوساط الجمهور، حتى لو كان من يتمسكون بهذه المقاربة لا يعتبرون انفسهم من اليسار.
إلى أين سنذهب؟ طالما أن الامر يتعلق بالصعوبات، فإن المعسكر الصهيوني وحزب العمل في داخله يجب عليهما التمسك بدون خوف وخجل وندم بطريق السلام الذي رسمه رؤساءه. يجب علينا اجراء حوار صادق ومفتوح مع الجمهور وأن نظهر له ليس فقط أنه لا يوجد بديل عن حل الدولتين، بل أن هذا الحل ممكن.
الشرق الاوسط حقا في عهد التغيرات والتقلبات، لكن قيادة وطنية مسؤولة لا يجب عليها أن ترى في ذلك مبررا لعدم فعل أي شيء والشلل السياسي، كما يفعل نتنياهو. مطلوب من القيادة الوطنية فحص كيف يمكن لإسرائيل القيام بدور فعال في اعادة تشكيل الشرق الأوسط، اعادة تشكيل تشمل أيضا انهاء صراعنا مع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
المبادرة العربية، لا يجب أخذها كـ "مقدسة"، لكنها بالتأكيد توفر اطارا تستطيع فيه الدول العربية المعتدلة أن تساعد في بلورة شريك فلسطيني جدي للمفاوضات على الاتفاق الدائم. في صيغة نهائية تكون مقبولة علينا، هي تستطيع أن تضمن سلاما ليس فقط مع الفلسطينيين بل أيضا مع كثير من الدول العربية المعتدلة، التي تطمح إلى التحالف معنا في وجه صعود إيران كدولة عظمى اقليمية.
لذلك، بدل الانخداع بسحر اليمين المضلل والتحول إلى تقليد اعمى وباهت له، يجب على حزب العمل أن يتمسك بقيمه بشكل واضح وثابت، دون خوف من وصفه كيساري. يجب عليه مواصلة النقش على رايته قيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام. ليس فقط أن صلاحية هذه القيم في الواقع السياسي الحالي قوية اكثر مما كانت في السابق، بل إن التنصل منها يمكن أن يحول حزب العمل إلى لاعب هامشي ومهمل في الساحة السياسية.

اضافة اعلان

*عضو الكنيست