على طاولة الرئيس أوباما

في خطابه أمام الجمعية العامة للامم المتحدة الاثنين الماضي، تناسى الرئيس الاميركي باراك أوباما، وهو يعدد الأزمات التي يمر بها العالم، أن الكيان الصهيوني يحتل ارضا ليست له، ويقتل شعبا بدم بارد، ويمارس كافة انواع القتل والسحل والحرق بحق اطفال ونساء عُزل، ومن دون أن يذكر أن دولته هي الداعم الاول والرئيس لهذا الكيان الغاصب.اضافة اعلان
تحدث أوباما بلهجة رئيس أقوى دولة في العالم، واستعرض المشاكل التي تهدد العالم، مرورا ببحر الصين، وافريقيا واوكرانيا حيث القرم، وليبيا والعراق وايران وكوبا، ومن ثم حطّ في سورية، حيث تنظيم "داعش" الإرهابي، من دون ان يقول لنا من أين جاء هذا التنظيم، ومن موّل ودرب وفتح الحدود له!
قدم الرئيس الاميركي بلاده باعتبارها راعية السلم والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان في العالم، وصورها امام كاميرات التلفزة، بانها الدولة الكبرى التي ترعى مصالح الجميع، وتحمل همومهم، وتعمل ليل نهار لتحقيق ذلك، طبعا من دون ان يكون لدولته هدف سوى نشر السلم والحرية!
قالوا إن الكلام سهل، والأحلام أسهل من الكلام، ولكن الفعل صعب، وهنا مربط الفرس، في كل ما قاله أوباما أمام قادة العالم، فهو قلب كل الحقائق، وصور دولته وكأنها الحارس الذي يسهر لينام العالم، آمنا مطمئنا، كما نشاهد في الافلام الهوليوودية، التي تقدم المقاتل الاميركي باعتباره مضحيا وشجاعا مقداما، وعلى استعداد لتقديم روحه من اجل صالح البشرية، فيما تحرص على ان تظهر الرئيس الاميركي بثوب الناسك الشجاع، الداعي للسلم وللحرية والديمقراطية!
من حق أوباما أن يتحدث كما يشاء، عن دولته، ويعتبرها الاولى في العالم، سلما وديمقراطية ومواطنة، فربما هذا القول فيه بعض الصواب داخل اميركا، وفيما يتعلق بالحقوق الفردية للمواطن الاميركي داخل القارة البعيدة، بيد ان ذلك لا يغيب عندما تخرج اميركا للعالم بجنودها، فهي تقتل، وتلقي قنابل نووية على مدن فيها أطفال وشيوخ ونساء، وتعتقل من دون مسوغات قانونية، وبلا انسانية، وتأسر، كما أنها تتعامل مع خارجين عن السلطة الشرعية، وتدربهم وتضع بين ايديهم اسلحة، يقومون بعدها بتسليم تلك الأسلحة لقوى ظلامية إرهابية.
في خطابه، جال الرئيس الاميركي على كل مناطق التوتر في العالم، وركز على الشرق الاوسط، مارا بالعراق وسورية وليبيا، ولكنه ازاح وجهه عن السبب الرئيس للتوتر في المنطقة، وهو وجود احتلال صهيوني لفلسطين، ووجود كيان مغتصب لحقوق شعب كامل، يتفنن في تعذيبه وحصاره وتجريف أرضه وقلع اشجاره، وسرقة مائه. هذا الكيان تدعمه إدارة اوباما في حلها وترحالها وتعلن على رؤوس الاشهاد، أن هدفها الاول هو إدامة تفوقه ووجوده، فعن اي سلم وحقوق انسان، وديمقراطية تُحدثنا يا سيادة الرئيس أوباما؟!
يا سيادة الرئيس، الشرق الاوسط على صفيح ساخن منذ 67 عاما، عندما زرعتم فيه كيانا هجينا، سميتموه اسرائيل، وانتزعتم ارضا من اصحابها، ومنحتموها لمهاجرين، جئتم بهم من كافة اقطار المعمورة. وزادت سخونته بعد ان احتلت جيوش دولتكم الكبرى العراق، وحولتموها من دولة تصنع وتنتج، الى دولة تبحث عن ذاتها من دون ان تجدها، وزرعتم فيها احقادا اثنية وطائفية ومذهبية وعرقية. وارتفع منسوب السخونة، عندما تحولت حواضن عربية اخرى، الى ركام ودمار، وانتم تغضون البصر، من دون ان ترى طائرات استطلاعكم، تدفق ارهابيين الى سورية وليبيا والعراق.
سيادة الرئيس، عن ماذا تحدثنا، وكيف تريد ان نصدق ما تقومون به، ونحن نرى ادارتك وهي تغض البصر عن جنود صهاينة، يعتدون يوميا على سيدات في المسجد الاقصى ومحيطه، وتدفع اموالا لادامة تفوق كيان مستعمر يقتل الاطفال، ويحتل الارض؟ أبعد ذلك، تقول لنا ان دولتكم، تريد السلم والحرية وحقوق الانسان؟!
سيادة الرئيس اوباما ما اسهل الكلام عليك، ولكن الحقيقة الواضحة، والماثلة أمامنا، ما تزال قاتمة وصعبة، لذا لا يمكن لنا أن نصدقكم، أو نؤمن بسلمية توجهكم.