‘‘على كف عفريت‘‘.. عندما تواجه المرأة ذكورية المجتمع

مشهد من فيلم "على كف عفريت"- (الغد)
مشهد من فيلم "على كف عفريت"- (الغد)

إسراء الردايدة

عمان- تقف الفتاة أمام مفترق طرق عقب تعرضها للتحرش أو الاغتصاب، الأول: بأن تخوض التجربة وتطالب بحقها بشجاعة، والآخر بأن تسكن وتستجيب للتهديد خوفا من الفضيحة، وهيمنة المجتمع الذكوري، بإلقاء اللوم على الأنثى وتحويلها من ضحية لـ"مذنبة"، وهذا هو ما قدمته المخرجة التونسية كوثر بن هنية في فيلمها الروائي الأول "على كف عفريت".اضافة اعلان
الفيلم الذي افتتح فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الفيلم العربي عمان، برعاية وزيرة الثقافة بسمة النسور، في الهيئة الملكية للأفلام أول من أمس، يمثل مجتمعات مختلفة لا تؤنس وحدها، متحديا الأنظمة الشمولية التي تستخدم التخويف كوسيلة للقمع والتحريض، وسلاح لإسكات الشجعان الذين يطالبون بحقوقهم.
أحداث الفيلم تقع في ليلة واحدة مرت بها "مريم الفرجاني" إثر تعرضها للاغتصاب من قبل ثلاثة رجال من الشرطة، وسعيها لتقديم شكوى ضدهم، بحيث تمر بسلسلة من الإجراءات التي تعيق حصولها على حقها، بدءا من معاملة المستشفى، وصولا لتحصيل حقها والشكوى على مرتكبي الجريمة من الشرطة أنفسهم.
الفيلم من وحي أحداث حقيقية حدثت في أيلول (سبتمبر) 2012، بالتصادف مع مرور دورية شرطة، ذات ليلة، بشاطئ عين زغوان شمالي العاصمة التونسية، أثناء وجود فتاة برفقة صديقها في جولة على متن سيارة. في بلد آخر، لم يكن لينتهي الأمر إلى حادثة اغتصاب يرتكبها أفراد الشرطة بحق الفتاة التونسية البالغة من العمر 27 عاماً، لكن هذا ما حدث.
تفاعلت قضية الفتاة المغتصبة وتحولت إلى قضية رأي عام في تونس، وبعدها بعام نشرت مريم بن محمد (اسم مستعار للضحية) بالاشتراك مع الصحفية الفرنسية آفا غامشيدي، كتاباً باللغة الفرنسية بعنوان "مذنبة لأنني اغتُصبت" (منشورات ميشال لافون) وثّقت فيه ما تعرّضت له من انتهاك جسدي خلال تنقلها بين المستشفيات وأقسام الشرطة.
اختارت المخرجة بن هنية أن تقدم وقائع ما واجهته مريم في تسعة فصول، كل واحد منها يحمل رقما تسلسليا، بحيث صور كل مشهد بلقطة واحدة، بدون مونتاج في محاولة لإبقاء الأبطال لوقت على الشاشة، ما يتيح للمشاهد أن يعيش الزمن الطبيعي لأحداث الفيلم.
سلسلة الفصول منذ البداية، تنقل لنا تفاصيل الأحداث، عندما تركض مريم هاربة وخائفة، لتحمل هذا الإحساس طوال الوقت بوتيرة متسارعة وشعور بالخوف والتعاطف مع حادثة مريم، في محاولة لفهم مشاعر تلك الفتاة المغتصبة التي حولها المجتمع لمذنبة، وكأن المشاهد وسط كابوس لا ينتهي.
ممثلة بارعة ولكن..
حملت الضحية "مريم" دورا كبيرا في الفيلم، ورغم محاولاتها للإبقاء على صورة الفتاة المنهارة الخائفة، في كل المشاهد، لاسيما مشاهد الانهيار والبكاء، إلا أن الشخصيات الأخرى الثانوية كان بعضها إضافة كوميكية، لاسيما ضباط الشرطة بعضلاتهم المفتولة، إلى جانب تفاصيل أخرى مثل: نضال يوسف "الممثل غانم زرلي" الذي كان رمزا للثورة، ومن أبناء من خرجوا في لواء القصبة لإسقاط النظام وفساده، ليجسد مفهوم الصدق والحقوق واحترام الحريات والمطالبة بالعدالة.
فيلم "على كف عفريت" الذي نال جائزة أفضل صوت في أول عرض عالمي له في مسابقة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي، وجولة عالمية في مهرجانات دولية، ألقى الضوء على قضايا التحرش والاغتصاب للنساء، وذلك بالتزامن مع حملة هوليوود "مي تو" ضد التحرش.
قصة مريم تمثل كثيرا من النساء اللواتي يتم استغلالهن بحكم مراكز القوى، فالتعاطف المتولد يرتبط بقوة شخصيتها، تظهر العقلية الكارهة للنساء والجوانب اللاإنسانية والضحايا العاجزة عن الانتقال من الديكتاتورية الى ما بعد الثورة واحترام الحريات، عبر طرح قضية مثيرة للجدل.
المخرجة هنية، في فيلمها "زينب تكره الثلج" الذي يجمع بين الروائي والوثائقي، وأول شريط لها "شلاط تونس"، يأتي شريطها الثالث ليلقي الضوء على المساحة الممنوحة للمرأة في مجتمع يسيطر عليه الذكور، خاصة في عرضها أعمالا تجسد العنف بأسلوب سينمائي فني يشمل التفاصيل والإيقاع الحركي، وعناصر التشويق، إلى جانب اللقطات الطويلة التي تعزز الشعور بالأزمة.
فيما يأتي المشهد الختامي مرتبطا بالوقت الحقيقي مع بزوغ فجر اليوم التالي في مركز الشرطة؛ حيث تغادره مريم بعد أن عاشت كابوسا رافضة فيه الانحناء والتنازل عن حقها، مرتدية عباءة متدلية على كتفيها وكأنها عباءة بطل خارق.