عمان الغالية

عمان غالية على قلوبنا. لكنها غالية الكلفة أيضا على جيوب مواطنيها؛ وهو ما أعلنه أحدث تقرير عن تكلفة المعيشة للعام 2016، والصادر عن وحدة بيانات مجلة "الإيكونوميست"، ونشرته "الغد" أمس. إذ أظهر أن العاصمة الأردنية هي المدينة الأغلى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحتل المرتبة 23 عالميا.اضافة اعلان
معقول أن نسبق العديد من مدن العالم في أوروبا وأميركا والشرق الأقصى، حيث مستوى الحياة ومتوسط دخل الفرد أضعاف ما لدينا؟! معقول أن نكون أغلى من دبي؛ مركز المال والأعمال والتجارة الدولي، دبي التي يعتقد الجميع لأول وهلة أنها الأغلى في الشرق الأوسط؟!
ثمة خطأ؛ ليس في التقرير بل في واقع عمان، يجب بحثه. ومنذ بضعة أعوام، بدأت عمان تتقدم في سلم غلاء المدن، وكانت في المرتبة 52 عالميا العام 2014، وأصبحت في المرتبة 48 العام 2015، لتقفز إلى المرتبة 23 هذا العام، حسب التقرير السنوي نفسه. وأذكر أنها قبل ذلك لم تترك وراءها سوى دبي، وها نحن نحتل الصدارة المطلقة هذا العام!
غلاء عمان أثار جدلا في الأعوام الماضية، لكن شيئا لم يحدث. ولم تنظر الحكومة ولا أمانة عمان في الأمر وتتقصيا أسبابه، ولم تصلا إلى استنتاجات محددة حول الموضوع. وأعتقد أنه لم يعد ممكنا تجاهل الأمر، لأنه ليس طبيعيا، بل شاذ. وهناك أسباب أدت إلى هذا الشذوذ تجب معالجتها.
هناك غلاء عام في البلد، لكنه ضمن المعدل الطبيعي بالنسبة لمستوى المعيشة في الأردن، والإنتاجية، ومستوى الدخل، والضغوط الاقتصادية، والمديونية، والضرائب والرسوم لاسيما ضريبة المبيعات. لكن كل شيء في عمان يبلغ أضعاف سعره في بقية المدن والبلدات. وينطبق هذا على السلع والخدمات والعقارات.
يمكن للمسؤولين الادعاء بأن هذا وضع طبيعي بالنسبة للفروقات بين العاصمة وغيرها، لكن هذا غير صحيح؛ إذ لا نرى هذه الظاهرة في الدول الأخرى، وبهذه النسب الملفتة. والكثافة السكانية وحدها لا تفسر الظاهر، فهناك عواصم كثيرة أعلى كثافة سكانية، ومتوسط الدخل فيها أعلى من الأردن، لكنها أقل غلاء من عمان.
الثابت أن نمو عمان لم يكن طبيعيا؛ بفعل الهجرات والاستقطاب الكثيف من المحافظات إلى العاصمة. ومنذ زمن طويل ونحن نتحدث عن ظاهرة التمركز، ولم تضع الحكومات المتعاقبة أي خطة لعكس الوضع. وذات مرّة اقترحت -وآخرون فعلوا الشيء نفسه- تصميم عمان أخرى شرقا على أراضي الدولة. وهذا المشروع ينجح تماما باختيار عمان الجديدة عاصمة سياسية، حيث سترتفع أسعار الأراضي فورا، ويصبح لدى الدولة رأس مال ضخم للعمل، وتستقطب الاستثمارات للبنية التحتية والبناء.
المهم أن أي فكرة لم تسِر، ابتداء بفكرة المرحوم الشهيد وصفي التل بوقف التوسع على الأراضي الزراعية الثمينة غربا وتوجيه التوسع شرقا. والآن، أصبح الوقت متأخرا؛ فقد حل الإسمنت والحجر في غرب عمان، وضاعت الأراضي الخصبة في معظمها والباقي على الطريق.
لست مؤهلا للافتاء أو تقديم الإجابات بشأن سرّ الغلاء "الشاذ" في عمان. وما يجب عمله ابتداء هو الإقرار بحقيقة هذا التشوه غير الطبيعي، لبحثه بصورة مدققة، واستنفار كل الكفاءات حول هذا الموضوع، والتوصل لإجابات، ثم وضع المقترحات وأخذ القرارات المناسبة.
الحكومة، ومعها أمانة عمان، يجب أن تتحركا الآن.