عملية "التنظيف" بدأت!

تصريحات رئيس الوزراء د.هاني الملقي، أول من أمس (في لقائه مع رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد)، ليست ارتجالية أو منفصلة عن تصّور أعمق وُضع إطاره العام من قبل "مجلس السياسات الوطنية" (NPC). وقد عُهد إلى الحكومة والهيئات المعنية القيام بتنفيذ هذه التوجهات بصورة صارمة.اضافة اعلان
في لقائه مع كتّاب والإعلاميين (الأسبوع الماضي)، خصّص جلالة الملك جزءاً مهماً من حواره عن الشأن الداخلي لموضوع الفساد، وتحدّث عن الخطوات المقبلة لمواجهة الفاسدين والمرتشين والمحسوبية، مؤكّداً أنّ العام 2017 لن يكون كالأعوام السابقة في مكافحة الفساد. وقال إنّ الصحف والإعلام سينشرون قريباً أسماء وصور الفاسدين الذين يثبت تورطهم، كي يدركوا تماماً أنّه لا يوجد لهم أي جدار حماية اجتماعي أو سياسي.
رئيس الوزراء وجّه –عبر رئيس هيئة النزاهة- رسالة واضحة، و"عملية التنظيف" المطلوبة بدأت، ولدى "الدولة" خريطة دقيقة وواضحة ومحددة لمواطن انتشار الفساد والرشوة والتحايل على القانون في الدوائر الرسمية المعنية. وإذا كانت الخطوات الأولى في وزارة العمل لمواجهة "مافيات تصاريح العمل"، فإنّ الخطوات التالية ستنتقل إلى الدوائر الأخرى، لمواجهة آفة الرشوة والفساد الإداري المنتشرة فيها.
بالطبع، أمر مؤسف أن نرى موظفاً عاماً في السجن لتلقيه الرشوة أو استغلال المنصب العام. لكنّ الواقع أنّ الصمت على هذه الظاهرة أدى إلى انتشارها واستشرائها خلال الفترة الماضية، في العديد من الدوائر، حتى أصبحت بالانطباع العام (كما تظهر استطلاعات الرأي) تمس سمعة القطاع العام بأسره. كما أنّ هذه الصورة بدأت تتكرّس لدى دول أخرى، وهو الأمر المؤسف أكثر؛ فالأردن تحديداً كان يتميز بسمعة نظيفة للبيروقراطية، مقارنةً بالدول الأخرى، ويمتلك صورة نتباهى بها، لكنها بدأت تتغير في الأعوام الماضية.
لا يمكن إيجاد تبرير منطقي لهذه الظاهرة التي تناولتها الورقة الملكية النقاشية الأخيرة، تحت عنوان دقيق هو "سيادة القانون". فإذا كان البعض يتحدث عن التدهور الذي أصاب "دخل" الموظفين في القطاع العام، مع عدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة، فإنّ ذلك لا يعني القبول بالفساد أو تبريره. صحيح أنّ رواتب القطاع العام تراجعت قوتها الشرائية، إلاّ أنّها تبقى أفضل حالاً من دول أخرى من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإنّ هذه القضية أخلاقية ودينية ووطنية، لا يمكن أن نجد لها أي مسوّغ أو قبول، فضلاً عن شرعنتها ومنحها المبررات!
وإذا كان هناك -في مراحل سابقة- انطباع بوجود فساد سياسي من قبل مسؤولين على مستويات عليا، فإنّ ذلك –أيضاً- ليس مبرراً لتقبل الفساد الإداري على مستويات أقل، فكلاهما ضار ومتصل، لكن الفساد الإداري أشدّ خطورة، لأنّه لا يمس الثروات الوطنية فقط، بل يسمّم العلاقة اليومية بين الدولة والمواطنين.
أصبحنا نخجل من القصص التي نسمعها من بعض المواطنين والأجانب الموجودين بيننا. وكان من الضروري أن نبدأ عملية وضع حدّ لهذه الظاهرة بدلاً من التأفف والتصفير وضرب يد بيد.
لكن في الوقت نفسه، من المطلوب، أيضاً، أن تكون "عملية التنظيف" عادلة وشاملة، من دون محاباة أو ممالأة. وهذا ما أكّد عليه الملك في لقاء الكتّاب، لأنّه في حال لم يكن الأمر كذلك، فإنّ نتائج العملية نفسها ستكون سلبية وستعزز الشعور بالمحاباة وعدم المساواة وغياب العدالة أمام القانون، وستخسر الدولة المعركة في لحظة دقيقة وحسّاسة.