"عملية العلم" في غزة.. محدودية الخيارات

ما حدث على حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة عام 1948، السبت الفائت، يعكس الإصرار الفلسطيني على المقاومة لكن مع خشية التبعات العسكرية، ما يجعل خيارات هذه المقاومة محدودة. بالمقابل يتضح السعي الإسرائيلي للهدوء لكن دون السماح بالمقاومة الفلسطينية. على أنّ هذه الحالة صعبة الاستمرار فلسطينياً بعكس الجانب الإسرائيلي.اضافة اعلان
التزمت المقاومة الفلسطينية في غزة، منذ العام 2014، إلى حد كبير، بعدم تقويض حالة الهدنة الضمنية، مع التركيز على تطوير قدرات الردع والاستعداد لهجوم محتمل، مع محاولة العثور على تطبيع للوضع في القطاع، ينهي الحصار ويقلل المعاناة، ويزيح الأعباء المدنية عن كاهل حركة "حماس"، دون المس بجناحها العسكري. وقد أدت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ما بين عامي 2008 و2014، إلى تطوير حالة ردع متبادل، فالفلسطينيون يدركون فداحة الثمن المادي للمقاومة الهجومية من غزة، فاتجهوا للمقاومة الدفاعية، ويدرك الجانب الإسرائيلي أنّ الهجوم على غزة، كما جنوب لبنان، ليس نزهة، وله ثمن عسكري، ومدني، وثمن على صعيد المواقف الدولية والرأي العام العالمي.
من حين لآخر يقوم الإسرائيليون باستهداف البنى التحتية للمقاومة، مع ادّعاء أن هناك تخطيطا لعمليات هجومية يتم إجهاضها. وتكون الأهداف جاهزة محددة لضربها في أول فرصة.
لم يعلن أي طرف مسؤوليته عن عملية يوم السبت الفائت، على الحدود الجنوبية لقطاع غزة. والعملية أخذت شكل زرع عبوة ناسفة مرتبطة بوجود علم فلسطيني على الجدار أو الحاجز الفاصل. بمعنى أنّ الجانب الإسرائيلي، كان يمكن أن يتحاشى ما حصل، وتمثل بإصابة أربعة جنود حاولوا نزع العلم، لو لم يصر على رفض أي معنى للوجود الوطني الفلسطيني، على الحدود. وبينما يركز الجانب الإسرائيلي على فرضية أنّ حركة الجهاد الإسلامي، المرتبطة بإيران كما يشدد الإسرائيليون، ربما قامت بالعملية انتقاماً للتفجير الإسرائيلي لنفق مقاومة عائد للحركة، في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، وأدى لاستشهاد 12 من عناصر المقاومة، فإنّ بيانات القوى الفلسطينية في قطاع غزة ربطت العملية بالرد على التوغلات الإسرائيلية.
بهذا المعنى فإنّ العملية لا تهدف لتحدي الحالة القائمة منذ عام 2014، ولكنها من جهة تمنع الجانب الإسرائيلي من تثبيت عادة أمر واقع يعطيهم القدرة على التوغل في القطاع دون رادع، وهي ربما نوع من البحث عن منفذ لإبقاء المقاومة موجودة، ورادعة، دون مواجهة شاملة، ودون خرق التوافق الوطني.
يحتاج تحقيق هدف الردع من هذه العملية إلى خطاب وطني فلسطيني واضح معد مسبقاً يؤكد أنّ التغلغل الإسرائيلي والاختراقات هي مبرر العملية الأول والفوري.
في الأثناء فإن قصف الإسرائيليين 18 هدفاً لحركة "حماس" يوم السبت الفائت، واستشهاد فلسطينييَن، يثير سؤالا حول الثمن الباهظ للتشكيلات النظامية العلنية العسكرية في القطاع، وهل آن الأوان لإعادة النظر فيها، دون أن يعني هذا التراجع عن قوة الردع وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها الإسرائيليون، وتردعهم.
لا يريد الطرفان الإسرائيلي، والفصائل في غزة، حالياً مواجهة مفتوحة، ولكنهما يريدان أيضاً الظهور بمظهر القوي، وعدم السماح للطرف الآخر بتسجيل نقاط. وغالبا سيحاول الطرفان القيام بردود أفعال وفق هذه القواعد: عدم إظهار الضعف، وعدم السماح للآخر بتسجيل نقاط، مع العمل على تفادي مواجهة واسعة. 
يتحمل الجانب الإسرائيلي المسؤولية القانونية والسياسية بشأن ما يحدث في قطاع غزة، باعتباره قوة الاحتلال والحصار، ولكن الأطراف الدولية والإقليمية تتحمل أيضاً وزر عدم القيام بما يكفي لتطوير الحالة منذ العام 2014، للوصول لهدنة ملزمة للجانبين، تتضمن من بين أمور أخرى معالجة الوضع الإنساني ووقف الحصار.
من العبث بالوقت ذاته عدم تحميل الانقسام الفلسطيني جزءا من مسؤولية الواقع المعقد في قطاع غزة. والانقسام المقصود ليس فقط على صعيد من يحكم غزة المحتلة المحاصرة، ولكن عدم توفير خطة عمل وطنية للمقاومة الشاملة، بأدواتها المختلفة التي تناسب المرحلة، والتي تجعل استراتيجيات وتكتيكات وعمليات المقاومة بأنواعها وبدائلها موجودة ضمن تصور استراتيجي أوضح في ذهن الأفراد والتنظيمات، صغيرها وكبيرها. ثم إنّ الانقسام يقلل من فرص الضغط الفعّال على المحيطين الإقليمي، والدولي، لمعالجة الموضوع في قطاع غزة. كما يؤدي لغموض نسبي في الخطاب الفلسطيني بشأن سياق مثل هذه العملية.