عملية تصحيح

هآرتس

آري شبيط

كانت عملية "عمود السحاب" في أساسها عملية تصحيح، فقد جاءت لتصحح التقصيرات التي جعلت حرب لبنان الثانية طويلة ومبلبلة وغير مُركزة. وتصحيح التقصيرات التي جعلت عملية "الرصاص المصبوب" فظة وشديدة الوقع وسببت قتلا فلسطينيا جماعيا. ولتصحح التقصير الذي جعل إسرائيل لا تملك معلومات استخبارية تُمكّنها من اعادة جلعاد شاليط بعد اختطافه فورا. وجاءت لتصحح التقصير الذي جعل إسرائيل في الحروب غير المتكافئة السابقة تكون عندها توقعات غير واقعية وقدرات غير كافية. فقد كانت الأهداف العملياتية والتوجه العملياتي في هذه المرة منضبطين ومكفوفين.اضافة اعلان
كانت الوسائل دقيقة وموزونة. وعملت القيادة السياسية والقيادة العسكرية في تناغم. وتحت قيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع خاصة اللذين وُصفا بأنهما مُثورا حرب خرجت إسرائيل في عملية عسكرية غير متبجحة أهدافها متواضعة ومحدودة. فلم نحاول في جولة العنف الحالية ان نُغلب على الشرق الاوسط نظاما جديدا. ولم نتبجح بطلب اسقاط حماس وتنصيب محمود عباس على قطاع غزة، فكل ما أرادت حكومة بنيامين نتنياهو احرازه هو بضع سنوات من الهدوء في الجنوب. لكن من اجل احراز هذا الهدوء أمر الفريق القائد في الحكومة الجيش الاسرائيلي باعداد خطة عمليات محسوبة ودقيقة وحذرة، وقد نفذ الجيش الإسرائيلي في الاسبوع الماضي الخطة بنجاح مدهش.
تتحدث النتائج من تلقاء نفسها وهي ان اغتيال احمد الجعبري جدد (بصورة جزئية) ردعنا لحماس وأضر القضاء على صواريخ فجر (بصورة كبيرة) بقدرة حماس الهجومية البعيدة المدى. وبرهنت التقنية المدهشة لمنظومة القبة الحديدية والصمود الصلب للجبهة الداخلية على ان إسرائيل ليست دولة خيوط عنكبوت.
لكن الانجاز الأكبر كان هو الانجاز السياسي، فلم يتجرأ الرئيس باراك اوباما بعد ان قتل الكثير جدا من الباكستانيين والافغان الأبرياء على ان يقول كلمة تنديد واحدة. ولم يتجرأ رئيس وزراء تركيا، رجب طيب اردوغان، بعد ان رد بعنف كبير جدا على تحرشات سورية على ان يفتح فمه الكبير. أما محمد مرسي فبرهن على انه ليس رئيسا اسلاميا مؤمنا فقط بل هو رئيس براغماتي وذو مسؤولية ايضا. وقد استعملت إسرائيل هذه المرة قوتها بصورة موزونة ونجحت في ان تحظى بشرعية دولية وبشرعية داخلية وجعلت ائتلاف المعتدلين العالمي لا يعمل ضدها بل معها.وهكذا وفي هذا ما فيه من المفاجأة تبين انه حتى في الظروف القاسية للشرق الاوسط الجديد يمكن ترهيب قطاع غزة من غير اشعال العالم العربي. ويمكن البرهان على ان اسرائيل قوية وصارمة من غير جعل إسرائيل غولا. انه التوازن يا سادتي، التوازن. ان التقدير الصحيح وضبط النفس اللذين ميزا العملية في ايامها الأولى جعلاها تنجح في انجاز انجازات لا يستهان بها في واقع معقد وخطير لم يسبق له مثيل. لكن الطول الزائد للعملية أحدث أخطارا هي اطلاق صواريخ وقتلى في الجنوب واصابة تل ابيب – وكل ذلك جعل القادة الإسرائيليين الكبار في وضع صعب. وبعد ان اتخذوا قرارا مبدئيا شجاعا على انهاء العملية والعودة الى البيت ظل الواقع الميداني يضللهم. لأن حماس والمصريين ايضا راكموا الصعاب.
الحال في الشرق الاوسط كالحال في الشرق الاوسط، وكل يوم اضافي هو يوم غير متوقع، وكل ساعة يكمن فيها احتمال مفاجأة. لكن المنطق الأساسي الذي وجه "عمود السحاب" هو منطق صحيح لا يجوز العدول عنه. وفي نهاية المطاف فان النصر الإسرائيلي الحقيقي هو الهدوء، وكل سنة هدوء هي سنة تقوى فيها إسرائيل وتتعزز. وفي الظروف الاقليمية الجديدة أصبحت الاستراتيجية الإسرائيلية الوحيدة هي استراتيجية الهجمات المنضبطة. وكل اجراء يشذ عن مجال الهجمات المنضبطة يُعرض الوجود للخطر. ولهذا كان من الصحيح ان نقف الآن لا بسبب اعتبارات الطيبة لكن بسبب اعتبارات الأمن القومي. وكان من الصحيح الحفاظ على التصحيح الذي تم احرازه ومنع التورط.