عملية سلام لتسجيل نقاط سياسية فحسب

Untitled-1
Untitled-1

غريغوري أفتانديليان* - (ذا أراب ويكلي) 2/2/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

مشكلة ترامب هي أن انتقاده المحتمل لمواقف المرشحين بشأن خطته للسلام الذي يأمل في استغلالها في الحملة الانتخابية، من غير المرجح أن يحرك إبرة البوصلة السياسية في اتجاهه. هناك فجوة عميقة في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين فيما يتعلق بالمواقف من الحكومة الإسرائيلية. وقد أشار استطلاع للرأي أجري في العام 2019 إلى أن 61 في المائة من الجمهوريين الذين تم سؤالهم قالوا إن لديهم آراء إيجابية عن الحكومة الإسرائيلية، مقارنة بـ26 في المائة فقط من المستطلَعين الديمقراطيين.

  • * *
    متخلياً عن موقفه المتمثل في عدم رغبته في الكشف عن خطته لعملية السلام حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في آذار (مارس) المقبل، فعل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ذلك يوم 28 كانون الثاني (يناير) لما لا يمكن وصفه إلا بأنه أسباب سياسية بحتة.
    أولاً وقبل كل شيء، أراد ترامب صرف الانتباه عن محاكمة عزله الجارية في مجلس الشيوخ الأميركي. وعلى الرغم من أنه من المرجح أن تقوم الأغلبية الجمهورية في تلك الهيئة بتبرئة ترامب، فقد أقام الديمقراطيون قضية جسورة وفعالة ضده، لدرجة أن الجمهوريين اضطروا إلى محاولة الدفع بأن تصرفاته تجاه أوكرانيا لم ترقَ إلى مستوى جريمة لا يمكن تحملها وتستوجب العزل، بدلاً من قول أن ما فعله كان تصرفاً رئاسياً عادياً.
    بدعوته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه السياسي بيني غانتس، على عجل، إلى واشنطن وإقامة حفل إعلان كبير مع نتنياهو الذي أغدق عليه المديح باعتباره "أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض"، أراد ترامب أن يظهر أنه حامٍ لا لبس فيه لإسرائيل، ورجل دولة "عظيم" يسعى إلى تحقيق السلام، بينما يزعم في الوقت نفسه أنه لم يكن يتدخل في السياسة الانتخابية الإسرائيلية. وليس مهماً في هذا كله أن الفلسطينيين لم يستشاروا مطلقاً.
    وبهذه الطريقة، قام بتحويل الانتباه وعناوين الأخبار عن محاكمة عزله، وكسب التهليل والثناء من قاعدته السياسية الإنجيلية المسيحية المهمة (التي تدعم وجهة النظر اليمينية الإسرائيلية حول الوضع الفلسطيني) وقوّى الدعم بين العناصر المحافظة من الجالية اليهودية الأميركية التي تدعم نتنياهو وتؤيد بشكل عام خططه لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو مفهوم أيده ترامب شخصياً. ومن هنا، فإن زعم ترامب أنه لا يختار جانباً في الانتخابات الإسرائيلية ليس أكثر من مجرد ورقة تين.
    كان حرص ترامب على إبقاء قاعدته السياسية متماسكة خلفه بأكبر قدر ممكن واضحاً قبل أيام قليلة من إعلان خطته فقط، عندما أصبح أول رئيس أميركي ما يزال في المنصب يتحدث أمام حشد "مسيرة من أجل الحياة"، وهي تجمع سنوي يهدف إلى تقويض قانونية الإجهاض، في 24 كانون الثاني (يناير) في واشنطن. وكان كشفه النقاب عن خطة السلام في حفل أقيم في البيت الأبيض مع نتنياهو بعد بضعة أيام جزءاً من هذه الاستراتيجية الشاملة.
    مع اشتداد سخونة الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، أراد ترامب أن يضع مواقفه بشأن إسرائيل على النقيض من مواقف خصومه الديمقراطيين.
    وكما هو متوقع، انتقد العديد من الديمقراطيين، وكذلك معظم خبراء الشرق الأوسط، هذه الخطة باعتبارها أحادية الجانب ومن غير المرجح أن تؤدي إلى السلام على الإطلاق. وقد أرسل اثنا عشر نائباً من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الأميركيين، بمن فيهم ثلاثة -بيرني ساندرز، وإليزابيث وارين، وآيمي كلوبشار- يسعون إلى نيل ترشيح الحزب لمنصب الرئيس، رسالة مشتركة إلى ترامب بعد فترة وجيزة من حفل البيت الأبيض، والتي اتهموه فيها بانتهاك حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإحباط البحث عن فرص لحل الدولتين، وتعريض أمن إسرائيل على المدى الطويل للخطر.
    ومن جانبه، وصف نائب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، وهو ساعٍ بارز آخر إلى الترشيح، خطة سلام ترامب بأنها "حيلة سياسية، والتي يمكن أن تثير تحركات من جانب واحد لضم الأراضي الفلسطينية وتتسبب بالمزيد من تعطيل السلام". وبينما يذكِّر جمهوره بأنه كان مؤيدًا قويًا لإسرائيل، صرح بايدن: "ليست هذه هي الطريقة".
    وذهب ساندرز إلى ما هو أبعد من ذلك بانتقاداته، فصرح بأن أي صفقة سلام حقيقية "يجب أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتمكّن الفلسطينيين من تقرير مصيرهم… إن ما تسمى بـ‘صفقة السلام’ لا تقترب حتى مجرد اقتراب منه، وسوف تؤدي فقط إلى استمرار النزاع. إنها غير مقبولة".
    وغردت وورن على "تويتر" أن خطة ترامب كانت "مصادقة على الضم ولا تقدم أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية حقيقية". وقالت إن "إطلاق خطة من دون التفاوض مع الفلسطينيين ليس دبلوماسية. إنه عار".
    وقال رئيس بلدية ساوث بيند السابق بولاية إنديانا، بيت بوتيجيج، الذي يسعى أيضاً إلى نيل ترشيح الديمقراطيين للرئاسة، إن السلام "يتطلب وجود الطرفين على الطاولة، وليس منح ضوء أخضر سياسي لزعيم أحدهما ليقوم بالضم من جانب واحد".
    في العام 2019، كان ترامب قد اتهم الديمقراطيين بأنهم الحزب "المناهض لإسرائيل"، وهو يأمل بلا شك في أن يتمكن لدى مقارنة مواقفه -التي تتوافق بشكل أساسي مع نتنياهو- مع مواقف خصومه الديمقراطيين للرئاسة، من توجيه اتهامات مماثلة إلى منافسيه في عام الانتخابات هذا.
    لكن مشكلة ترامب هي أن انتقاده المحتمل لمواقف المرشحين بشأن اتفاق السلام الذي يأمل في استغلاله في الحملة الانتخابية، من غير المرجح أن يحرك إبرة البوصلة السياسية في اتجاهه. هناك فجوة عميقة في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين فيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية. وقد أشار استطلاع للرأي أجري في العام 2019 إلى أن 61 في المائة من الجمهوريين الذين تم سؤالهم قالوا إن لديهم آراء إيجابية عن الحكومة الإسرائيلية، مقارنة بـ26 في المائة فقط من المستطلَعين الديمقراطيين.
    يدرك جميع المرشحين للرئاسة الديمقراطية هذه الفجوة، وبالتالي سيكون انتقاد خطة ترامب للسلام موقفاً يكون اتخاذه آمناً، خاصة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وفي الانتخابات العامة، ربما يكونون أكثر حذراً في محاولة لجذب الناخبين المستقلين، لكنهم يضعون أنفسهم في موقف لتفادي القصف الذي سيأتي في طريقهم من ترامب.
    على سبيل المثال، ركز بايدن على الإشارة إلى سجله الطويل المؤيد لإسرائيل عندما كان سيناتوراً ونائباً للرئيس، في الوقت الذي انتقد فيه مواقف نتنياهو-ترامب في ما يتعلق بالخطة، وسوف يؤكد ساندرز على إبراز خلفيته اليهودية وتصريحاته الأخيرة بأنه موال لإسرائيل لتفادي التهم الموجهة إليه بأنه يقف ضد أمن إسرائيل.
    وفي الأثناء، سيظل التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني أصيل وحقيقي هدفاً بعيد المنال، كما كان حاله على الدوام.

*محاضر في كلية باردي للدراسات العالمية بجامعة بوسطن، وهو محلل سابق في قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A peace process plan to score political points