عناق الدب الروسي يدق إسفينا بين الأسد ويران

Untitled-1
Untitled-1

هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

اضافة اعلان

8/5/2020

"من كان يصدق أن عملاء المخابرات سيصلون الى شركات رامي مخلوف ويعتقلون العمال في الوقت الذي أنا فيه الداعم الاكبر لوكالات الاستخبارات هذه؟"، تساءل الملياردير السوري وابن عم الرئيس بشار الاسد، رامي مخلوف، في فيلم قصير نشره في يوتيوب. مخلوف هو من اصحاب شركة الهواتف الخلوية الكبرى في سورية"سيريا تل"، وحسب التقديرات المختلفة هو يسيطر على نحو 60 في المائة من الاقتصاد السوري، وهو شخصية رئيسة في تمويل نشاطات نظام الاسد.
جمعية خيرية انشأها في 1999 باسم "البستان" استخدمت في بداية الحرب الاهلية في سورية كمصدر لتجنيد وتمويل مقاتلي مليشيا خاصين باسم "قوات النمر" التي حاربت الى جانب القوات السورية ضد المتمردين على الاسد. وكجمعية خيرية حصلت "البستان" على هبات من منظمات دعم دولية وحتى من مؤسسات الامم المتحدة، حتى عندما في تلك الفترة قاتلت قوات النمر ضد المتمردين وارتكبت جرائم حرب.
هذا الترتيب عمل بلا تشويش حتى دخول روسيا الى الساحة السورية في العام 2015. الاستراتيجية الروسية استندت في حينه على مبدأ بسيط وواضح وهو ابقاء الاسد في الحكم واجتثاث المتمردين وتأمين سيادة النظام على كل الاراضي السورية – وفي النهاية اقامة دولة تكون تحت رعايتها أو على الاقل تحت تأثيرها. التقدير في موسكو كان أنه خلال اسابيع، أو اشهر، سيكون بالامكان انهاء القضية وتحقيق هذه الاهداف.
الواقع تبين انه مركب أكثر مما توقع الخبراء الروس. ايران كانت العنصر الفعال في داخل الساحة السورية، داعش سيطر على اجزاء كبيرة في شمال شرق الدولة – عشرات اذا لم يكن مئات من المتمردين ومن مؤيدي النظام سيطروا بصورة تقريبا واقاموا ما يشبه الحكم الذاتي على مناطق مختلفة في سورية. الاكثر خطورة من ذلك، هو أن عدد مقاتلي المليشيات الموالية للنظام كان ضعف عدد الجنود النظاميين – دون الاخذ في الحسبان المليشيات الايرانية. روسيا اضطرت الى بناء استراتيجية جديدة لا تكتفي بمساعدة جوية من قوات النظام، بل استراتيجية تضمن أن استثماراتها في الساحة العسكرية ستعطيها ثمار، وبالاساس ثمار سياسية واستراتيجية.كجزء من هذه الاستراتيجية بدأت روسيا في توحيد هذه المليشيات وصهرها بقدر الامكان داخل جيش الاسد، هكذا كان مع قوات النمر التي كانت تحت رعاية وتمويل مخلوف. هذه القوات كانت تعد على الاقل 24 مليشيا كل واحدة سميت على اسم قائدها. روسيا نجحت في لي ذراع الاسد وجعله يدمج هذه القوات في اطار الجيش، وبهذا حيدت سيطرة مخلوف عليها. في صيف 2019 غير الاسد اسم هذه الوحدة من قوات النمر الى الفرقة 25 للقوات الخاصة.
الجنود فيها اختيروا بعناية واجتازوا تدريبات على ايدي ضباط ومدربين روس، بهذا عززت روسيا الوحدات المقاتلة العاملة تحت قيادة الاسد – الاهم من ذلك هو أنها سحبت من مخلوف، حليف ايران، السيطرة على القوة العسكرية. هكذا، حرمت طهران من القدرة على استخدام "قوات النمر" كجسم عسكري، غير حكومي، من اجل أن تبني لنفسها قاعدة عسكرية موازية للجيش السوري.
روسيا ايضا فرضت على الاسد اجراء تغييرات في بنية الجيش، واستبدال ضباط كبار وكذلك تبني تكتيكا تم وضعه في وزارة الدفاع والجيش الروسي – بهدف أن تبني في الايام القادمة جيشا وطنيا قويا، مدربا وغير سياسي، يكون خاضعا للاسد لكنه موجه من قبل روسيا. هكذا من بين امور اخرى، اضطر الاسد الى اعتقال وحبس الجنرال غسان بلال، رئيس مكتب شقيقه ماهر وقائد الفرقة الرابعة، الذي اعتبر حليف لايران. هذا بالضبط في الوقت الذي اقترحت فيه ايران بلال ليقف على رأس المخابرات العسكرية خلافا للموقف الروسي.
حرية عمل لإسرائيل
كجزء من تدخلها في الساحة السورية، بدأت روسيا في البحث عن طرق للسيطرة على الاقتصاد السوري وعلى مصادر الدخل. صحيح أن ايران حصلت في العام 2014 على عدة اتفاقات التي تمنحها الحصرية في مجال اعادة اعمار الدولة بعد الحرب، لكن روسيا على عطاءات استخراج النفط والاستثمار في البنى التحتية. موسكو تتطلع اضافة الى ذلك الى ابعاد طهران عن مشروع اعادة اعمار سورية من اجل تحويلها الى نموذج نجاح يمكن أن يعطيها ثمار سياسية حتى في ساحات اخرى مثل العراق وليبيا واليمن.
النجاح في سورية تطور ليصبح طموح استراتيجي حيوي، الذي استهدف أن يعرض امام دول الشرق الاوسط بديل مناسب عن النفوذ الاميركي. ولكن كان واضحا لروسيا بأنها وحدها لن تستطيع الحصول على رأس المال الضخم الذي قدر بمئات مليارات الدولارات والضروري لعملية اعادة الاعمار، بالاحرى، عندما يكون حضور ايران وحزب الله في سورية يشكل عائق امام استثمارات اجنبية من اوروبا ومن الولايات المتحدة.
من اجل تسريع ابعاد ايران عن مراكز القوة وتشجيع انسحابها من سوريا، سمحت روسيا لاسرائيل بالعمل تقريبا بصورة حرة، إن لم يكن بصورة منسقة جيدا، ضد اهداف لايران. وبصورة لا تدعو للدهشة، هي حتى لم ترد على الهجمات الستة الاخيرة التي نسبت لاسرائيل مؤخرا. روسيا صمتت ايضا على اقوال وزير الدفاع نفتالي بينيت الذي قال بأن اسرائيل لن تكتفي منذ الآن بصد التمركز الايراني في سورية، بل هي تنوي طردها بشكل كامل من سورية.
ولكن الهجمات الاسرائيلية ليست العامل الوحيد الذي أدى الى تقليل التواجد الايراني. فروسيا ابعدت ايران عن التدخل في الاتفاقات التي وقعتها مع تركيا حول وقف اطلاق النار في محافظة ادلب، المعقل الاخير لحضور المتمردين المكثف، بالاساس الحركات الاسلامية مثل حركة تحرير الشام (جبهة النصرة في السابق). وهي ايضا لا تشرك ايران في الاعمال الشرطية التي تقوم بها الشرطة العسكرية الروسية في مناطق كثيرة في سورية.
صداع الكرملن
من اجل زيادة الضغط على الاسد من اجل الدفع قدما بالخطة السياسية، بدأت موسكو بمطالبة الرئيس السوري بأن يدفع مقابل جزء من التكلفة التي تتحملها كجزء من المساعدة العسكرية. ومثلما في عائلات المافيا عندما لا يملك "دافع الضرائب" نفسه أي اموال، فان العائلة طلب منها أن تهب لمساعدته. روسيا "عرضت" على الاسد أن يجبر رامي مخلوف على دفع ثلاثة مليارات دولار. وعندما رفض الاخير بذريعة أنه ليس لديه هذا المبلغ، عرضت روسيا على الاسد اثباتات بأنه يوجد لدى ابن عمه ما يكفي من المال.
الافلام القصيرة التي بثها أبناء مخلوف وهم يعرضون سياراتهم الفاخرة في دبي اثارت عاصفة في سورية، واستخدمت ايضا كدليل على اموال مخلوف. بالنسبة للاسد كانت هذه فرصة لتصفية الحساب مع ابن عمه الذي راكم امواله بفضل كونه ابن العائلة الصحيحة. مخلوف حتى كان على وشك المواجهة مع زوجة الرئيس أسماء التي تترأس لجنة محاربة تبييض الاموال في سورية. وقد وجهت لمخلوف تهمة عدم دفع الضرائب. ومعظم املاكه صودرت وعماله تم اعتقالهم وهو نفسه نجح كما يبدو من مغادرة الدولة والانضمام لأولاده.
قبل وقت قصير من تفجر قضية مخلوف بدأت وسائل الاعلام الروسية بنشر مقالات مسيئة ضد الاسد. فقد وصف كعاجز عن ادارة دولته، وكأنه يدير نظاما فاسدا وأن من الافضل لروسيا التخلص منه. وقد احسن الكسندر شوميلم الصنع، وهو دبلوماسي سابق ويترأس معهد ابحاث اوروبا والشرق الاوسط في موسكو الممول من قبل النظام الروسي، عندما كتب بأنه "يجب على الكريملن التخلص من وجع الرأس السوري. المشكلة هي مع شخص واحد هو الاسد". وفي وكالة الانباء الروسية "تاس" بملكية الدولة، نشر مقال كتب فيه "روسيا تخاف من أن الاسد ليس فقط غير قادر على قيادة الدولة، بل هو يمكن أن يجرها الى سيناريو افغانستان".
هذه المنشورات طرحت بصورة طبيعية التقدير بأن روسيا بدأت تتنصل من الاسد وبناء قيادة جديدة تستند الى حكومة خبراء تشارك فيها كل التيارات والفصائل من كل الطوائف، بحيث تطبق الدستور الذي تقترحه روسيا. حكومة كهذه تستطيع حسب رأي روسيا أن تحظى بالشرعية الدولية التي يمكن أن تشكل المحرك لتمويل هبات وتبرعات لاعادة اعمار سوريا تحت عيونها المفتوحة ويدها التي تنبش لموسكو. ولكن هذه الخطة يمكن أن يتبين بأنها غير مناسب.
روسيا تعرف ربما اكثر من أي جهة اخرى في سورية كم هو صعب بناء تحالف متفق عليه من المليشيات والحركات والفصائل المستعدة لقلع الواحدة عين الاخرى. ما يزال يجب عليها حل مشكلة ادلب لضمان سيطرة النظام على جميع اراضي الدولة، وعليها أن تقوم بعمل سحري يتمخض عنها زعيم قوي ومتفق عليه بدلا من الاسد. ربما يكون المكبس الضاغط الذي تستخدمه روسيا الآن على الاسد يستهدف تدجينه وجعله يقدم تنازلات لقوى المعارضة كي تستطيع روسيا استكمال العملية السياسية.