عنب اليمن

أمس كانت لي اطلالة نوعية على برنامج الغذاء العالمي. العشرات من النساء والرجال الذين يعملون على تنفيذ مهمات البرنامج في  هذا الجزء من العالم  يحملون الكثير من الانطباعات والتجارب والقصص التي تشكلت عبر مسيرتهم وتنقلهم بين المخيمات والقرى ونقاط الحدود وهم يواجهون اخطار وتهديدات الجوع  للمهجرين والضحايا والفقراء وحتى طلبة المدارس في المجتمعات الاشد عوزا.اضافة اعلان
 مواجهة الجوع في اكثر من 70 دولة عمل  يتجاوز إعداد الوجبات او طباعة كشوف المخصصات المالية وايصالها الى المحتاجين في مخيمات اللجوء والقرى والتجمعات المستضيفة لهم. في كل مناسبة يلتقى العاملون في برنامج الغذاء بالمنتفعين يواجهون اناسا استولى عليهم الخوف وسيطر القلق وتسلل الى نفوسهم الإحباط  ليصبح الغذاء مدخلا لتهدئة النفوس وبعث الامل.
 غالبية المنتفعين من خدمات البرنامج اليوم يعيشون في العالم العربي او فروا من  النيران والدمار الذي اجتاح مدنه واريافه. اليمن وسورية والسودان والصومال التي كانت اكثر بلاد العرب خصوبة وانتاجا تقع في مقدمة المجتمعات التي تستقبل خدمات البرنامج الذي تأسس ليقدم خدمات الغذاء للافراد والجماعات التي تفقد صلتها وقدرتها على توفيره.
خلال الساعات التي شاركت فيها  الكوادر البشرية لبرنامج الغذاء وكلما جاءوا على ذكر اللجوء السوري والحاجات الغذائية وانا استذكر الصورة الذهنية التي ترسخت في عقولنا ووجداننا عن سورية  بصفتها احد اهم مناطق الخصب ومصادر الغذاء. سورية التي كانت الدولة العربية التي تنتج فائضا من القمح والقطن والسكر واللحوم والشعير وتدير اقتصادا بلا مديونية  اصبحت تحتاج الى وجبات برنامج الغذاء العالمي ومساعدة اهلها الذين تشردوا على البقاء في وجه الجوع والخوف.
ومن غير قصد او تفكير ما إنْ تذكر الشام حتى تجد نفسك تتحدث عن اليمن ويقودك التفكير الى التساؤل حول ما اصاب البلدين بعدما كانا رمزين من رموز الخير والخصب والعطاء وبعدما كان الوصول لهما والاستمتاع بخيراتهما ضربا من ضروب الخيال...فقد قالت العرب ومنذ زمن بعيد " فلان من الناس...لا طال عنب اليمن...ولا بلح الشام".
في اليمن الذي كان في العرف العربي سعيدا " اليمن السعيد" كانت الحضارة والاصول والزراعة والتاريخ والقبول بحكم النساء. وفي الشام كان التنوع والتباين والانفتاح والازدهار الذي جعل الدنيا تدار من  بستان هشام بن عبدالملك.
الاعلام العالمي اليوم  منشغل باجتماعات الرؤساء وحركة الجيوش وطلعات المقاتلات وتنسيق الحلفاء وأعداد القتلى التي تخلفها التفجيرات واستراتيجيات مكافحة الارهاب. والقليلون ممن يملكون القرار والثروات والتأثير ينتبهون الى  مشكلة الجوع والخوف والتشرد والكوابيس الجاثمة على صدور الملايين ممن فقدوا احباءهم وبيوتهم وامالهم.
 وسط هذه الوحشية والتنمر الذي تظهره العديد من الانظمة الصغيرة والكبيرة وعجز المنظمة الاممية وكل الاحلاف عن توفير الامن والسلم الدوليين يظهر هذا البرنامج العالمي الذي يسعى الى التخفيف من المعانة وتحقيق شيء من الاستقرار في جانب الغذاء الذي لا يمكن تخيل الاثار التي قد تترتب على انعدامه او العجز عن توفيره.
البحث في تحديات توفير الغذاء وحجم الحاجة له في الاقليم العربي أمر يثير العشرات من الاسئلة حول العدالة والقيم والاخلاق ومسؤولية التخريب والدمار والتدهور التي آلت لها الأمة.