عندما تسقط أوراق الشجر الصفراء

في العيد، أحاديث كثيرة، أسئلة حائرة، بعضها سياسي، اجتماعي، اقتصادي، وبعضها تحليلات متنوعة في مواضيع شتى، فسواد الأردنيين باتوا محللين سياسيين واقتصاديين، وحتى فلكيين، إذ إن تحليلاتهم وصلت لحد الجدل حول هلال شوال، وإن كان رصده صحيحا، ومدى انسجام رؤية هلال العيد في هذا القطر مع رؤيته في قطر آخر.اضافة اعلان
رغم كثرة المحللين السياسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فإن العيد لا يخلو من كلام عميق من بعضهم في قضايا شتى، بعضهم يحمل الحكومة مسؤولية ما آلت اليه اوضاعنا الداخلية والاقتصادية، والبعض يحمل جهات بعينها تلك المسؤولية.
الحكومة تحضر في كل عيد، وحجم نقدها كما دوما مرتفع الوتيرة بلا تحفظ، وتشخيص الازمة يختلف من مكان لآخر، فمنهم من يرى أن الحكومة خلال عام من عمرها كانت تعمل على تمرير الوقت دون حل جذري، ومنهم من يرى انها كانت بعيدة كل البعد عن وضع يد حقيقية على مكامن الخلل، وتذهب لأماكن أقل (وجع رأس) في محاولة منها لاظهار انجاز مفترض.
كما ان هناك من يخرج من نقاش ازماتنا الاقتصادية، والاجتماعية، للكلام عن ازمات محيطنا، فتحضر صفقة القرن الاميركية المفترضة، بكل ما فيها من تداعيات اقليمية ومحلية ذات صلة بالأردن، ويحضر ما يقترفه الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، والقدس وتدنيس المقدسات الاسلامية والمسيحية.
كما يحضر في العيد كلام الأردنيين عن اليمن وما يعانيه من مرارة الموت وقسوته، والسودان المنقلب على ربيعه المفترض، وما يجري في بلد المليون ونصف المليون شهيد الجزائر، ومن ثم ما يجري في بلاد الرافدين العراق، وايضا الازمة بين جارتنا ايران والولايات المتحدة، طريقة تعامل ايران مع ازمتها وتراجع واشنطن اكثر من خطوة للوراء، وفي السياق يظهر من يقارن بين طريقة تعامل ساكن البيت الابيض مع من يظهر القوة في وجهه ولا ينكسر أمامه، وبين من يستكين له.
ومن ثم يأتي الحديث عن سورية التي تنفض عن اكتافها غبار ارهابيين عاثوا فيها فسادا وافسادا عبر سنين مضت، وتمضي اليوم في نفض غبار الارهابيين عما تبقى من محافظاتها في ادلب التي استوطنها الإرهابيون، والتي يعمل الجيش السوري على طردهم منها كما فعل في باقي محافظات القطر السوري.
الملفت ان العيد كان مناسبة لرؤية تساقط أوراق شجر صفراء استوطنت بجانب أوراق خضراء وحاولت التأثير عليها، اولئك الاشخاص الذين اشبعونا أدعية ولبس عباءة الدين وجادلونا في السياسة وحرضوا بكل قوة على هذا البلد او ذاك، واعلنوا النفير لجهاد مفترض في سورية والعراق وليبيا وغيرها، رأينا وجههم الحقيقي عندما تعلق الامر بمن يمولهم ويحرضهم ويدفع لهم ويأمرهم بالهجوم.
ما لمسته في العيد ان الكثير من الناس باتت لديهم قدرة على التفريق بين أوراق الشجر الأخضر والأصفر، وبات الناس يملكون قدرة على عدم ترك اولئك يؤثرون عليهم كما كانوا في بداية ما عرف بـ"الربيع العربي"، عندما كان بعض ممن يمثلون الشجر الاصفر يبكون الناس ويؤثرون عليهم كلما اعتلى منصة خطابة او قدم درسا في موضوع ما.
لمست في هذا العيد ان الناس يأسفون كثيرا على الدموع التي سالت منهم تاثرا بما كان يقول هذا المتلوّن الذي ظهر بوجهه الحقيقي فيما بعد، ويتأسّفون على لحظات الضياع التي عاشوها وهم يردّدون ما كانوا يقولون، ويستخدمون مصطلحاته في الهجوم على كل من يخالفهم بوجهة نظرهم.
كان العيد، مناسبة لناس عرفتهم وهم كثر للاعتراف بأنهم تاهوا عن الطريق، وان البعض أثر عليهم، وانهم اكتشفوا مدى التيه الذي عاشوا فيه طوال سنين خلت جراء تاثيرات اولئك عليهم وتصديق ما كانوا يقولون، في العيد رأيت بعيني تساقط الورق الأصفر.