عندما تهتز الأرض

سوريون يتظاهرون ضد النظام السوري في حي الفردوس في حلب امس - (ا ف ب)
سوريون يتظاهرون ضد النظام السوري في حي الفردوس في حلب امس - (ا ف ب)

معاريف

عمير ربابورت           7/12/2012

 

اضافة اعلان

كان هذا أسبوعا جسّد الميزة المركزية للشرق الأوسط في 2012: عدم الاستقرار. ولكن في الوقت الذي تنشغل فيه الساحة السياسية عندنا في الانتخابات، فإن مكتب وزير الدفاع ايهود باراك ينحل، وقيادة الجيش الإسرائيلي توجد على شفا الانفجار بسبب اعتبارات شخصية.
في مثل هذه الأجواء لا غرو أن القليل جدا من الاشخاص في جهاز الامن ينشغلون في مسألة هل يرد الجيش الإسرائيلي كما ينبغي على التطورات الدراماتيكية الاقليمية أم أنه يواصل بناء قوته وفقا لسيناريوهات تصبح اقل فأقل ذات صلة. هل الجيش أسير المفهوم المغلوط الجديد؟.
وضع الرئيس السوري بشار الاسد الميؤوس منه كفيل بان يكون مشجعا من ناحية إسرائيل. فقد كان هذا هو الاسبوع الذي فقد فيه الرئيس بشكل عملي السيطرة على بلاده. فقد تبقت للاسد امكانيتان: إما الفرار (الاسد فحص خيار اللجوء إلى روسيا، دبي او فنزويلا)، أو التمترس في جيب لطائفته العلوية، ليدير من هناك حربا أهلية يمكن أن تستمر بضع سنوات اخرى، ولكن نهايتها (ونهايته) واضحة. في هذه الاثناء يواصل القتال.
من ناحية عسكرية، وقعت في الايام الاخيرة عدة أحداث تدل على انهيار بشار الاسد. فالجيش السوري، أي القسم الذي ما يزال مواليا للرئيس (وبالاساس ذاك الذي يستند إلى القيادة العلوية)، فقد معسكرات ووسائل قتالية قرب حلب ودمشق، والاخطر من ذلك – السيطرة على الطريق المؤدي إلى المطار العسكري قرب دمشق والمطار الدولي للمدينة. وأدى هذا التطور إلى الوقف التام للرحلات الجوية من والى سورية.
ميل تعاظم قوات المعارضة ("الجيش السوري الحر") واضح، وليس صدفة أن الثوار يحظون بتموين سخي من السلاح. ولشدة المفارقة من ناحية الاسد، فان معظم السلاح يصل إلى الثوار عبر لبنان، على ما يبدو من مخازن الجيش المتفكك في ليبيا. وللغرب ايضا مصلحة واضحة في تسليح الثوار. فالرئيس السوري يدفع الان ثمن سنوات من تسليح حزب الله، ولعضويته في المحور الايراني.
ولكن الدراما الاكثر أهمية لهذا الاسبوع كانت في مسألة السلاح الكيماوي. يبدو أنه يوجد ما هو حقيقي في المنشورات في الايام الاخيرة في وسائل الاعلام العالمية بان الجيش السوري الموالي للاسد شوهد وهو يعد مخزونات السلاح الكيماوي لاستخدام محتمل ضد الثوار. وبالمقابل، النشر بان إسرائيل نسقت مع الاردن هجوما على مخزونات السلاح الكيماوي لسورية، عبر أراضيه، هو هراء. لو كانت إسرائيل تريد أن تقرر الهجوم فهي لا حاجة بها إلى التنسيق مع الاردن في أي شيء. فلديها حدود مشتركة طويلة بما يكفي مع سورية، يمكنها من خلالها ان تبعث بطائرات سلاح الجو.
وفي اثناء الاشهر الاخيرة كانت إسرائيل شريكة في نقل رسائل إلى قيادة النظام السوري، بموجبها يعتبر سقوط مخزونات السلاح الكيماوي في أياد غير مسؤولة (بالترجمة الحرة: نصرالله) هو خط أحمر.
يبدو أن الرسائل التي نقلها الغرب مؤخرا في القنوات الدبلوماسية القليلة التي ما تزال مفتوحة مع دمشق المقصوفة، وهي تترافق وحرب نفسية صاخبة، قامت بالعمل. مخازن السلاح الكيماوي اغلقت حاليا. وحتى لو طاب للاسد او لرجاله ان يبيدوا بعضا من أبناء شعبهم بواسطة السلاح الكيماوي، فان نزعة البقاء الفوري لديهم أقوى.
والان بات ممكنا القول انه في المناطق الاقرب الينا، بمحاذاة الحدود في هضبة الجولان، فقد بشار الاسد السيطرة منذ قبل نحو اسبوعين، في تلك المعارك التي ترافقت والنار الطائشة نحو إسرائيل، والتي استجيبت بقصف الجيش الإسرائيلي لاهداف داخل الاراضي السورية. وترافقت المعارك قبل اسبوعين بهجوم على معسكرات الجيش السوري ادى إلى فرار قسم من القوات وقتل العشرات من الموالين للاسد. وفي الاسبوع الاخير ساد الهدوء في المنطقة. الجيش الإسرائيلي جاهز لاستيعاب لاجئين من الطرف الإسرائيلي لجدار الحدود في هضبة الجولان، في حالة عودة الجيش السوري إلى الجبهة لتهريب السكان المحليين.
وفي هذه الاثناء تتراكم المؤشرات على أن كل الاطراف باتت تتعامل مع بشار الاسد بصفته حصانا منتهيا: الروس يواصلون اخلاء رجالهم من قواعدهم في سورية، بما في ذلك القاعدة البحرية الوحيدة لهم في البحر المتوسط، في اللاذقية؛ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس تركيا، رجب طيب اردوغان، يديران محادثات على مستقبل سورية؛ وحتى الزعيم الاسلامي اللبناني، سعد الحريري، الذي ما يزال يرتعد خوفا من تصفية ابيه بتكليف من الرئيس في العقد الماضي، يتجرأ على فتح فمه ضد بشار والوقوف ضده في تصريحات حماسية. لقد انتقلت الحرب الاهلية في سورية مؤخرا إلى منطقة طرابلس في شمالي لبنان ايضا، حيث تجري معارك بين مؤيدي بشار الاسد ومعارضيه.
من لم ييأس هم الايرانيون الذين يواصلون نقل السلاح والوقود لبشار الاسد. قسم كبير من التموين يصل في رحلات جوية تمر فوق اراضي العراق الحر. الرئيس العراقي، المالكي، يسمح بهذه الرحلات الجوية، ولكنه أمر مؤخرا باعتراض بعض هذه الرحلات، ولكن فقط في طريق عودتها من سورية إلى ايران. وكانت الطائرات بالطبع فارغة.
لا يمكن لاحد في الشرق الاوسط ان يحسد بشار الاسد، ولكن وضع الزعماء الاخرين ليس لامعا ايضا. بنيامين نتنياهو يمكنه أن يرى نفسه محظوظا إذ لم يعاني الا من كتف باردة من انجيلا ميركيل في اثناء زيارته في المانيا، ومن ضغوط رافقت تشكيل قائمة الليكود بيتنا للانتخابات.
وماذا في مصر؟. الرئيس المصري أيضا، رجل الإخوان المسلمين، محمود مرسي، في مشاكل عويصة في أعقاب محاولته فرض دستور، في ظل استغلال نجاحه الدبلوماسي في حملة "عمود السحاب" – النجاح الذي هناك من يقول أنه نفخ رأسه.
ظاهرا، مسألة الدستور هي السبب للهجوم الجماهيري على قصر الرئيس من جانب العلمانيين والليبراليين الذين كانوا المحرك الحقيقي للثورة. أما عمليا، فإن احباط الجماهير ينبع أولا وقبل كل شيء من أن القرآن الاسلامي لم يجلب بعد تحسينا للوضع الاقتصادي، ولم يجد السبيل لإطعام 88 مليون فم في مصر.
ومع نهاية الإسبوع بدا وكأن مرسي سيضطر إلى إيجاد سبيل لإرضاء الجماهير والتخلي عن الصلاحيات العليا التي أخذها لنفسه، بشكل مؤقت على الأقل. من الزاوية الإسرائيلية مهم أيضا الإشارة إلى أنه في الوقت الذي تشتعل فيه القاهرة، استمرت هذا الأسبوع أيضا المداولات على تفاصيل التفاهمات بين إسرائيل وحماس في أعقاب حملة "عمود السحاب". هذه المداولات عديمة الجدوى، وذلك لأنه من اللحظة التي هدأت فيها النار في إسرائيل وفي غزة، فقد الطرفان الدافع الأساس للتنازل عن مطالبهما. وسيبقى الوضع الراهن حتى الجولة التالية. هذا الوضع الراهن ليس سيئا من ناحية إسرائيل، حاليا على الأقل. اداء حماس في فرض النظام على طول الجدار ومنع الاعمال المعادية من "المنظمات العاقة" تفوق توقعات قيادة المنطقة الجنوبية.
الدراما الاقليمية تواصل التجسيد، لشدة القلق، لانعدام الرغبة أو انعدام القدرة لدى الولايات المتحدة لفرض اراداتها في المنطقة، مثلما كانت ذات مرة، وحقيقة أننا فقدنا، بحكم الامر الواقع، حلفاءنا الاقليميين. ما نشر عن استئناف الاتصالات لتنسيق البث بين إسرائيل وتركيا في اعقاب أحداث مرمرة هو صحيح، ولكن احتمالات ايجاد صيغة حل وسط متدنية. فأردوغان يواصل الاصرار على اعتذار إسرائيلي، تعويض عائلات القتلى وازالة الحصار عن قطاع غزة تماما. اما إسرائيل بالمقابل، فتواصل الموافقة فقط على "الاعراب عن الاسف" ونقل أموال تعويضات لصندوق انساني دون أخذ المسؤولية عن الكارثة في قلب البحر في ايار 2010.
لو كان الجيش الإسرائيلي جيشا مثقفا، لكان العديد من قادته قلقين ليل نهار من آثار التغييرات الاقليمية على الشكل الذي يبني فيه الجيش قوته على المدى البعيد. ولكن الجيش الإسرائيلي بمفاهيم كثيرة، هو جيش مناهض للثقافة. في الامور الجارية، معظم رجاله منشغلون بإرضاء القادة بحيث يترفعوا في الرتب باسرع وقت ممكن. قلة فقط تقلقهم مسائل استراتيجية ويكلفون أنفسهم عناء قراءة المواد ذات الصلة بعمق.
كما أن حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يتصرف على مدى ولاية رئيس الاركان، الفريق بيني غانتس، دون خطة متعددة السنين لا تقلق حقا أحدا تقريبا. لقد أعد غانتس في عهد ولايته خطتين متعددة السنين ولكنهما لم تقرا ولم تمولا ابدا. عمليا لم يجتز الجيش الإسرائيلي تغييرا استراتيجيا في السنوات الاخيرة رغم التغيرات الاقليمية الهائلة. ولاسباب تتعلق بالميزانية تبقى القوة تبنى وفقا لسيناريوهات ثابتة لا يضمن أحد أن يكون الواقع اكثر خطورة منها. فإذا ما وقعت لا سمح الله مصيبة ظهر فيها أن قوة الجيش ليست كافية، فإننا يمكن أن نسمي هذا الامر في نظرة إلى الوراء بانه "المفهوم المغلوط 2". هذه المسؤولية للقيادة السياسية على المفهوم لا تقل عن مسؤولية القيادة العسكرية بل وربما أكثر.
بالمناسبة، فإن بعضا من نقاط الخلل الفكرية والبنيوية في الجيش الإسرائيلي تجسدت في الاشهر الاخيرة في مناورة القيادات الكبرى لهيئة الاركان وفي المناورة مع الجيش الأميركي. ولاسباب مفهومة لا يمكن أن نفصل نقاط الخلل هنا. يمكن فقط القول انه كجزء من الدروس تبنى لرئيس الاركان غرفة جديدة داخل "البئر" في وزارة الدفاع. طوبى لغانتس.