عندما نبحث عن ذواتنا في قلوب الآخرين

عندما نبحث عن ذواتنا في قلوب الآخرين-(تعبيرية)
عندما نبحث عن ذواتنا في قلوب الآخرين-(تعبيرية)

ربى الرياحي

عمان- نكثر من البحث عن ذواتنا لدى الآخرين، لشعورنا بأن المكان الذي ما نزال نشغله في قلوبهم بدأ بالتقلص، نتيجة لظروف خارجة على سيطرتنا، لا نملك حتى تغييرها أو تجييرها لمصلحتنا.
لذلك نقرر أن نلتمس لهم عذرا، لعلهم يستطيعون بالمقابل إبقاءنا داخل تلك الأماكن التي من الواضح أنها سئمت الانتظار، فكانت النتيجة هي أننا خسرنا أشخاصا، لم نكن نتوقع يوما ما أنهم سيصبحون صفحة مطوية، تختزل في داخلها كل الذكريات التي جمعتنا لسنوات طويلة.
وبدون أي تبرير مقنع، يجبروننا على إنهاء تلك العلاقة، معتقدين أنهم سينجحون في إيجاد قلوب أخرى قادرة فعلاً على أن تمدهم بمشاعر حب مجردة من أي هزائم، من شأنها أن تضعفهم وتفقدهم ثقتهم بمن حولهم.
لكننا رغم قرارهم المجحف بالاستغناء عنا، نبقى متمسكين بخيوط الأمل الرفيعة تلك، لاقتناعنا بأنه ما يزال لنا هناك في دواخلهم بذور حب جديرة بأن تنمو ثانيةً، رافضين قطعا السماح لأولئك الذين تدفعهم أنانيتهم إلى التفرد بكل شيء، مانحين أنفسهم الحق في الاستحواذ على قلوب ليست لهم في الأساس من منطلق أنهم يستحقونها أكثر من غيرهم، ولديهم القدرة الكافية على إسعادها وتجنيبها كل الأسباب المؤدية للوجع والانكسار. على اعتبار أن هؤلاء الأشخاص من وجهة نظرهم الشخصية كانوا أضعف من أن يختاروا أو ربما أرادوا أن يعيشوا تلك المشاعر حتى وإن كانت الظروف معاكسة لهم متآمرة على احتمالية استمراره كمحاولة منها، لإلغاء جميع الامتيازات التي كانت تؤهلهم دائما إلى امتلاك قلوب بعض الأشخاص الذين فضلوا أن يتحرروا من وعود وهمية لم تتجاوز حدود الكلمات المفتقرة لفعل حقيقي قادر على أن يخرجها من دائرة التهميش.
اختيارهم المتسرع للانسحاب من أدق تفاصيل حياتنا يتركنا أمام حقيقة مرة قاسية، نرفض أن نستوعبها أو حتى أن نناقشها مع أنفسنا، ليس لأننا نخشى الفقد فقط، بل لأننا أيضا ندرك جيدا حجم الحب الذي نكنه لهم ظناً منا بأن الصدق في المشاعر واستحالة التخلي عنها كفيل بأن يبقينا في المقدمة وننسى أنهم لم يعودوا كالسابق يهتمون لأمرنا، فكل الظروف من حولهم تدعوهم إلى اجتياز قلوب تدمن الوفاء فقط، لأنها عاجزة تماما عن تغيير واقعها الحافل بالمشاكل والعراقيل، مقتنعين أنهم غير مرغمين على تحمل المزيد من الخسائر حتى لو كان المقابل هو التنصل من أي التزامات تقضي بضرورة إبقائنا داخل تلك الأمكنة، التي أصبحت فارغة من كل شيء حتى من محبتهم لنا.
لا ندري بالضبط لماذا يلجأون إلى إخفاء مشاعرهم وأحيانا إلى إنكارها، لكن رغبتنا في الدفاع عنهم وإيجاد آلاف الأعذار التي ترضينا تجعلنا مصرين أكثر من قبل على اجتذاب كل تلك اللحظات التي سمحنا لها بأن تمر بدون أن توثق حضورنا في ذاكرة من نحب، حتى لا نتهم على الأقل بالتقصير. ومع ذلك يقررون أن يتغيروا معنا تحديدا، قاصدين إيذاءنا ومعاقبتنا على تفاصيل لم نكتبها نحن بل كتبها لنا القدر، وعلينا أن نعيشها كما هي بعيدا عن إحساس التمرد الذي يداهمنا بين الحين والآخر ليخبرنا أن هناك أمورا كثيرة في الحياة تستحق أن نخرج على النص من أجلها.
ورغم أن ذلك الإحساس قد يأتي متأخرا، إلا أننا نصر على أن نعتقهم من أوجاع ذلك التغيير الذي يدفعهم إلى التستر وراء حجج واهية يستطيعون من خلالها توضيح احتياجهم للتحول والابتعاد عن قلوب تمارس الحياة وتتحرك في غياب كامل لكل الأسئلة المحفزة التي تعينها على تفادي ذلك الفقد.

اضافة اعلان

[email protected]