عندما نمارس حريتنا ونختار

ربى الرياحي

عمان - خطواته في الحياة بطيئة وحذرة بعض الشيء لكنه مع ذلك يحاول أن يعيشها جميعها باستمتاع بعيدا عن التسرع والاستعجال، لكي يستطيع طرح كل الأسئلة المنطقية وغير المنطقية على ذاته التي غالبا ما تعجز عن إيجاد إجابات مقنعة تعكس عمق تفكيره والإحساس بكل ما يجري حوله. ربما لأنه في صراع مستمر مع الحياة لاعتقاده بأنها سهلة وميسرة ومن الممكن جدا أن يعيشها بدون تعقيدات تقلقه وتنتزع منه اتزانه، وقدرته على استيعاب الأحداث المتلاحقة التي رغم تسارعها تمنحنا خيارات كافية للخروج منها بأقل خسارة ممكنة، وبالتالي تصبح احتمالية النجاح أكبر كونه يجيد تصور ما سيحدث بعين المنطق.
ذلك يفرض عليه ترك كل ما من شأنه أن يحصره بتلك الأوهام التي يفضل أحيانا أن يقنع نفسه بها لعله يستطيع الهروب من حقائق حاول أن يتجاهلها كثيرا، لكن ما كان يحدث هو العكس في كل مرة  كان يتعرض فيها إلى مواقف قد تكون عابرة لكنها نجحت في أن تكسره وتعيده إلى نقطة الصفر، ليكتشف بعد ذلك أن كل الأشياء من حوله تتعمد تصغيره وتقييده حتى لا يتمكن من ممارسة حريته كما ينبغي.
قراره المفاجئ بنسيان كل ما يحدث معه في الواقع والعودة إلى أيام طفولته يوقظ فيه جميع المشاعر العفوية الصادقة التي أوشك أن يفتقدها للأبد. كل ما يحاول فعله الآن هو استرجاع حريته المسلوبة التي كانت تشعره بأن أبواب الحياة جميعها مفتوحة أمامه بدون أي استثناء. هذا ما يلمسه فعلا في كل الأطفال الذين يصادفهم يوميا.
يتذكر بسعادة غامرة جميع التصرفات الطفولية ويتمنى لو أنه يستطيع تجاوز كل مطبات اليأس التي توجدها الحياة أحيانا في دواخلنا ليس لأننا نريد ذلك بل لأن هناك أمورا كثيرة نخشى الخوض فيها بخلاف أولئك الأطفال الذين يمارسون حريتهم كما هي بحوارات مفتوحة غير معلبة أو جاهزة يحترفونها ببراءة، لدرجة أنهم لا يترددون في طرح أفكارهم وآرائهم التي ترفض القمع ومصادرة حقهم في اختيار المناسب لهم هذا تماما ما يبحث عنه هو حينما يفكر في واقع الأشياء من حوله، ويصر على تقديم سلسلة من التساؤلات التي غالبا ما يتوقف عندها ليتتبع حركة المحيطين به ورغبتهم في تحديد خياراتهم بعيدا عن أي شعور بالذنب حتى لا يضطروا إلى إلغاء كل ما يتمنونه أو يطمحون إليه.
وقبل أن يقرر ملازمة اليأس يلمح في وجوههم الحالمة إصرارا غريبا على التجربة الجادة لكافة الخيارات المطروحة التي تدفعهم إلى التفكير بعقلانية ومن ثم الخوض في تحويل الرغبات إلى حقائق لكن بدون أن يشعروا بالخوف من أن تختل موازين الحياة لديهم.
ما نستغربه أو نستهجنه هو أن الفرصة ما تزال حاضرة فعليا للتعاطي مع مختلف الخيارات بالرغم من أنه مصر على أن يبقى غائبا عن كل ما من شأنه أن يعيد له اعتباره في ممارسة حريته التي رضي أن يحرم نفسه منها بدون أن ينتبه حتى إلى أن هذا القرار سيجعله مهمشا متواجدا فقط في أطراف الحكاية، لذا يرفض الخروج من دائرة الاعتياد التي ترغمه على الاسترخاء داخل تلك الحالة الاستثنائية الخالية من الحرية والحلم.
“لا تغامر”، تسعده هذه المفردة بل ويصغي إليها ويلزم نفسه بمواعيد معها ربما، لأنه اعتاد على الخمول والهروب من جميع مسؤولياته. مرحلة واحدة يفضل الاستسلام لها والبقاء داخل تفاصيلها لا يفكر حتى باجتيازها فقط لأنه يجهل كيف له أن يحرق مرحلة وينتقل إلى أخرى، يجهل القواعد الجديدة أو المستحدثة مكتفيا بقاعدته التقليدية التي تمنعه من اختبار كل ما هو جديد مقتنعا بما يعرفه فقط.

اضافة اعلان

[email protected]