عندما نهمل أزمة طلبة المدارس!

قبل أيام قليلة، أعلنت مديرية الأمن العام عن إطلاق حملة أمنية لضبط بعض المخالفات السلوكية والظواهر السلبية في محيط مدارس الإناث. ورغم عدم إعلان المديرية صراحة عن نوع الظواهر السلوكية المقصودة، فإن الواضح هو أنها تتعلق بقضايا التحرش، اللفظي أساسا، و"المعاكسات"، وتجمعات المراهقين أمام مدارس الإناث.اضافة اعلان
ورغم أهمية قضية التحرش والمعاكسات أمام المدارس، وضرورة التصدي لها بكل السبل، بما فيها الأمنية والقانونية، إلا أنها لا تشكل سوى رأس الجبل الجليدي لقضايا وظواهر سلوكية وثقافية سلبية تنخر أوساط الطلبة والمدارس، بالتوازي مع حالة التراجع القيمي التي يمكن تلمسها بوضوح في أوساط أغلب القطاعات والشرائح المجتمعية!
في باب المؤشرات المحسوسة والقابلة للقياس عيانيا، يمكن التأشير إلى أن المدارس وأوساط طلبتها تشهد، منذ سنوات، اتساع ظواهر سلوكية وقيمية سلبية، أبرزها ازدياد العنف بين الطلبة، وانتشار عادة التدخين بصورة لافتة ومقلقة؛ إذ بات مألوفا مشاهدة عشرات الطلبة حول المدارس، يمارسون صباحا أو عند انتهاء الدوام، عادة التدخين، والتي تترافق في الغالب مع التحرش بالمارة، وتحديدا الإناث والبنات منهم.
في عمان مثلا، ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، أتابع يوميا وبذهول واقع إحدى المدارس الحكومية الثانوية في طبربور، بحكم الاضطرار للمرور والتوقف قليلا أمامها. حلقات الطلبة، وبالعشرات، تنتشر في محيط المدرسة وعلى أرصفتها، تظللها سحابات الدخان الكثيف، وشتائم من شتى الأنواع والأصناف يتقاذفها الطلبة بين بعضهم، لتطال المارة في بعض الأحيان، فضلا عن قيام هؤلاء الطلبة بحركات وبعض الألعاب الخادشة للحياء العام.
الأدهى والأمرّ هو موقف مدير ومعلمي المدرسة من هذه الفوضى والمخالفات السلوكية التي تجري صباح كل يوم على مرأى ومسمع من هؤلاء المعلمين، ممن يكتفون فقط، وبصورة غريبة، بحثّ الطلاب و"رجائهم" الاستعجال، والانتهاء مما يقومون به، والالتحاق بالدوام!
في نقاشات عابرة مع بعض هؤلاء المعلمين بشأن هذه الحالة المزرية للمدرسة، وفلتان طلبتها، وهو ما يمكن تعميمه على واقع الكثير من المدارس، يظهر عدم الاكتراث واضحا لدى هؤلاء المعلمين، انطلاقا من أن أحدا -لا وزارة تربية وتعليم، ولا إدارة مدرسة، ولا أهالي طلبة- يكترثون بوضع حد لهذه الظواهر، فيما يتجنب العديد من المعلمين الدخول في ما "يوجع الراس" مع الأهل والقانون إن هم لجأوا إلى التأديب القاسي والضرب للطلبة.
أحد المعلمين رد على سؤال وجهته عن سلبية معلمي هذه المدرسة تجاه "فلتان" العشرات من طلبتها، بالقول: "وهل تريد مني أن أكترث أكثر من الطالب وأهله بتعليمه ومستقبله؟.. أنا معلم ولست شرطيا لأطاردهم خارج أسوار المدرسة".
أما عن القضايا والظواهر السلوكية والقيمية، بل والجرمية، الأخرى غير العيانية، والتي يصعب قياسها بين الطلبة، فقد تكون الأخطر والأسوأ. إذ ثمة حديث كثير، وتحذيرات من انتشار الحبوب المخدرة بصورة مقلقة بين الطلبة، وسط تجاهل رسمي ومجتمعي لمثل هذه الآفة، ووضع للرؤوس في الرمال، ما يفاقم من خطرها وتأثيراتها المدمرة.
ثمة خواطر وتداعيات كثيرة يستثيرها خبر إطلاق الحملة الأمنية في محيط مدارس الإناث، تصب كلها في أن واقع المدارس وأوساط طلبتها يعتمل بأزمة قيمية وسلوكية عميقة، فضلا، طبعا، عن مشاكل التعليم والمناهج، ما قد يفسر، في جانب ما، جزءا من أسباب ظاهرة العنف الجامعي والمجتمعي المستشرية منذ سنوات.
الثابت هو أن حل مثل هذه الأزمة في الوسط المدرسي يشكل قضية أكبر بكثير من حصرها فقط بالجانب الأمني، وببضعة دوريات للشرطة في محيط المدارس، على أهمية ذلك. فالأزمة والمشكلة بحاجة إلى معالجة ومقاربة شاملة، تنطلق أساسا وأولا من ضرورة الاعتراف بحجم هذه الأزمة وخطورتها.

[email protected]