عندما يقول أوباما لا

يديعوت - بقلم: ناحوم بارنيع

 قال نتنياهو في ختام زيارته لواشنطن إن "للكلمات مغزاها". وقد تم تبادل كلمات كثيرة خلال هذه الزيارة أكثر مما خطط له مسبقا. ولم تكن كلها لطيفة. وفي آخر المطاف، ورغم الكلمات الكثيرة الطيبة التي استخرجت من قاموس كلمات الرؤساء السابقين وتمت تدفئتها من جديد فإن هذه الزيارة تركت طعم الخصام، وبدأ باراك أوباما وبنيامين نتنياهو علاقاتهما بالقدم اليسرى.

اضافة اعلان

 وجه أوباما نحو العالم العربي. ليس بسبب أصول والده الإسلامية أو بسبب حبه الخفي للقرآن، وإنما لأن الطريق الوحيد من وجهة نظره للخلاص من العراق وأفغانستان وربما أيضا ردع إيران يمر من خلال حشد تأييد حكام العالم العربي. وإسرائيل هي محطة على الطريق، وهي ذخر الا أنها عبء أيضا.

على هذه الخلفية يتوجب فهم تركيز إدارة أوباما على إيقاف المشروع الاستيطاني. وهناك جانب عاطفي أيضا: الحساسية في الحزب الديمقراطي وخصوصا جناحه اليساري، نحو معاناة الفلسطينيين اكبر بما لا يقاس من الحساسية التي أبداها الجمهوريون في فترة بوش. ولكن توجد هنا قبل كل شيء مصلحة قومية أميركية: المواجهة حول المستوطنات هي بطاقة دخول مريحة لإدارة أوباما للعالم العربي، بطاقة دخول يقف أشخاص بارزون حتى من الحزب الديمقراطي ومن أنصار إسرائيل من ورائها.

للكلمات مغزاها، لذلك هناك أهمية لما قالته هيلاري كلينتون لقناة الجزيرة القطرية في ختام زيارة نتنياهو.

"سيدتي وزيرة الخارجية" سأل المذيع، "عندما قال الرئيس أوباما انه كان يرغب بأن تجمد إسرائيل المستوطنات فهل قصد القول ان المستوطنات القائمة ستنقل مرة أخرى إلى ما وراء حدود حزيران 67؟"

"هناك جزءان لهذا السؤال"، ردت كلينتون. "أولا، نحن نريد ان نرى ايقاف البناء، الاضافات والنمو الطبيعي - وكل نوع من أنواع النشاط الاستيطاني. هذا ما قصده الرئيس. إضافة إلى ذلك نحن سندفع لحل الدولتين وهذا الحل يشمل الحدود المتعارف عليها. ونحن نتوقع ان نرى دولتين تعيشان جنبا إلى جنب دولة للفلسطينيين تكون دولة سيادية وتكون للفلسطينيين فيها سيطرة على مسائل مثل النشاط الاستيطاني".

هذه عبارات صعبة ليس فقط على مسامع حكومة يمينية في إسرائيل، وإنما أيضا لمسامع الحكومات السابقة. وقد قيلت عشية يوم القدس حيث يفترض ان يقوم نتنياهو بزيارة لا تنسى لمعهد الراب ذلك المعهد الديني الذي انطلق منه المشروع الاستيطاني.

يحرص أوباما وكلينتون منذ بداية ولايتهما على إجراء المقابلات مع وسائل الإعلام العربية. ووعد أوباما بأن يستهل فترته الرئاسية بتصريحات يطلقها من عاصمة إسلامية. وقد وفى بوعده مرتين: ففي بداية ولايته ألقى خطابا في اسطنبول وفي الرابع من حزيران (يونيو) سيلقي خطابا مهما جدا في القاهرة. وخلال المرتين عرج عن إسرائيل. هذا لا يشير إلى عدائه لإسرائيل وإنما إلى ان البيت الأبيض يأخذ إسرائيل الآن - وناخبيها اليهود في أميركا - كأمور بديهية.

احد قادة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة اشتكى مؤخرا من الطريقة التي يعالج فيها البيت الأبيض علاقاته مع المؤسسة اليهودية. في السابق كانوا يجمعون اليهود لإعطائهم معلومات في واشنطن او في مكالمات مؤتمر هاتفية وفقا لمؤسساتهم، لكن البيت الأبيض في عهد أوباما لا يتصرف على هذا النحو وهو الذي يختار من يتحدث معه ومتى. وقد اضطر احد القادة اليهود الذي دعي لإجراء محادثة مع رئيس الطاقم في البيت الأبيض رام عمانوئيل للانتظار ساعتين في غرفة الانتظار. وعندما دعي للداخل بدأ كالعادة عند المعروفين القدامى بإطلاق النكات الشخصية والمداعبات، وحرص عمانوئيل على عدم الضحك.

يتمتع أوباما الآن بشعبية هائلة، ويعرف أتباعه أن وضعه لن يبقى حصينا دائما ولكن شعور القوة اقوى منهم. ومن ناحية أخرى، تعاني إسرائيل من أثار عملية غزة. وقالت لنا شخصية أميركية سياسية "انتم لا تتخيلون لأنفسكم إلى اي مدى مست مشاهد عملية غزة بصورتكم في أميركا". والمثير للسخرية هنا هو ان نتنياهو يدفع ثمن عملية لم يكن ضالعا فيها.

لن نبني من جديد

لقد فاجأت نتنياهو شدة الضغط في قضية المستوطنات، وخلال أيام حكمه الخمسين الأولى لم يبادر بأية خطوة استفزازية في هذه المسألة. لم تتم إقامة مستوطنة جديدة ولم تعط تصاريح بناء. بل على العكس، فإن قادة "يشع" يشتكون من عدم وجود اي تغير في السياسة نحوهم رغم أن الحكومة هي حكومة يمين.

ولكن هذا الثمن الذي يدفعه لأنه يرفض خلافا للحكومات الأخرى لعب لعبة الدولتين. رؤساء الوزراء تبنوا تصور الدولة الفلسطينية وواصلوا الاستيطان كما يحلو لهم. وقد سأل نتنياهو مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز في لقائهما في واشنطن "ما الذي تريدونه مني؟ هل تريدون أن أجمد كل طفل يولد؟ وكل مبنى يبنونه؟ أن أبني بصورة عمودية أم أحفر في باطن الأرض؟"

وقد واجه هجمة مركزة ومنسقة مع البيت الأبيض من الديمقراطيين في الكونغرس ومن لقاء إلى آخر في مقر الكونغرس ازدادت اللهجة العاطفية حدة في كلامه، وقال "لقد قمنا باقتلاع عشرة آلاف نسمة من قطاع غزة. هل تعرفون ما الذي حدث لهم؟ الأطفال يجتازون علاجا نفسيا والعائلات دمرت وهناك امراض مختلفة وغريبة تفشت في صفوفهم. وما الذي حصلنا عليه في المقابل 7 آلاف صاروخ على البيوت الإسرائيلية. بإمكانكم ان تطمئنوا فنحن لن نعيد بناء غوش قطيف. ولكن الشكوك يجب ان تكون موجودة. المسألة تتعلق بمناطق نزاع في آخر المطاف (اي مناطق قد يبقى جزء منها تحت سيطرة إسرائيل). يقدمون لنا مطالب قصوى ولا يطالبون الفلسطينيين بأي شيء، وما طلبوه منهم في الماضي يتلاشى ويختفي. اين النزاهة؟ التنازلات يجب ان تكون متبادلة".

سيتوجه ايهود باراك إلى واشنطن بعد أسبوعين وكرة المستوطنات في ملعبه بدرجة كبيرة. وقد فعل قليلا جدا في هذا المجال عندما كان وزيرا للحرب في حكومة اولمرت، وان لم يحدث شيء بالنسبة للبؤر الاستيطانية في الاسابيع المقبلة فمن المتوقع ان يواجه هبوطا صعبا في العاصمة الأميركية.