عندما يهاجم الإسرائيليون جنرالاتهم

من بين كل الاحتفالات الإسرائيلية الروتينية بذكرى النكبة، والكلمات والفعاليات الفلسطينية التقليدية بالذكرى ذاتها هذا العام، برز تصريح لنائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يائير غولان، أثناء إحياء الإسرائيليين لذكرى المحرقة النازية (الهولوكوست)، وصف فيه ممارسات إسرائيلية حالية، بما فيها أفعال للجيش، بأنها تتشابه مع الممارسات في زمن "الهولوكوست"، والنازية في ألمانيا،  قبل ستين أو سبعين عاماً؛ وذلك بقوله إن "هناك ممارسات باقية من ذلك الزمن". وإضافة لأهمية التصريح، فإنّ ردود الفعل داخل صفوف الإسرائيليين توضح وتؤكد حقيقة أن التطرف في الرأي العام والإعلام والدوائر السياسية، يفوق جداً القيادات العسكرية التي يبدو أنها تحاول أن تكون عقلانية وواقعية. ولكن التقارير عن تشجيع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للحملة ضد غولان، ومسارعة وزير الدفاع موشيه يعالون للدفاع عنه، تعكس حالة التباين بين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.اضافة اعلان
هناك هجمة في الإعلام الإسرائيلي ضد جنرالاته. ولا يقتصر الأمر على تصريح غولان؛ فموقف الرأي العام والإعلام كان ناقداً جداً لوزير الدفاع موشيه يعالون، وقائد الجيش غادي إزينكوت، لأنهما انتقدا الجندي إليئور عزاريا، الذي قَتل الشهيد عبدالفتاح الشريف، في مدينة الخليل، الشهر الماضي، بإطلاق النار على رأسه بينما كان مصاباً وملقى بلا حول ولا قوة على الأرض.
كما هو معروف، لا يمكن تصنيف يعالون إلا في خانة التطرف والدموية، وهو صاحب المصطلح الشهير "كي الوعي"، الذي قاله إبّان "انتفاضة الأقصى"، يوم كان قائداً للجيش؛ طالباً عقاب الفلسطينيين بقسوة، حتى لا يعتقدوا أنّ المقاومة (الإرهاب بحسبه) تؤدي لنتيجة إيجابية. كما أنه معارض شرس لعملية السلام.
ويعالون أيّد بشدة، أو قاد مع بنيامين نتنياهو، الحرب على غزة العام 2014. وحتى الآن تقريباً، كان يعالون يبدو الحليف المريح المهم لنتنياهو، وجزءا من معادلة الاستقرار السياسي النسبي غير المسبوق الذي تشهده السياسة الإسرائيلية؛ باستمرار رجحان كفة حزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو. فيعالون، بمكانته العسكرية وخلفيته كجنرال، له شعبيته واحترامه وسط الجمهور، ومما يواظب الإعلام الإسرائيلي نسبته ليعالون، أنّه هو الذي أطلق النار، في تونس، على القائد الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد)، واغتاله العام 1988. وهو فوق هذا كله لا يبدي طموحا سياسيا ظاهرا أو كبيرا لمنافسة نتنياهو، وهو ليس خطيباً ومتحدثاً بارعاً على طريقة نتنياهو، ولا يتقن الإنجليزية جيداً، وعلاقاته الخارجية محدودة. ومن هنا بدا "شريكاً" مريحاً قنوعاً لنتنياهو.
أثار يعالون ضجة كبرى قبل أيام، وهو يطلب من ضباط الجيش الإسرائيلي أن يعبروا عن آرائهم السياسية، ويكونوا "معلمين" وليس فقط مقاتلين. كما أثارها وهو يؤيد غولان، أثناء الهجمة ضده، بعد تصريحه عن النازية، وهو يصف الحملة ضده بأنها "شعبوية ومحاولة لتسييس الجيش". وتباين موقفه مع نتنياهو كثيراً في موضوع عزاريا؛ فبيما اتصل الأخير بوالد عزاريا لطمأنته، انتقد يعالون وقادة آخرون في الجيش ما فعله في الخليل، سريعاً.
ما يحدث هو في جزء منه صراع قوى بين نتنياهو وقادة المستوطنين، من أمثال نفتالي بينيت، الذين يريدون من جهة تحويل المؤسسة العسكرية إلى جزء من أدواتهما السياسية الشخصية، كما يريدوان أحياناً مخاطبة أفراد الجيش بفتاوى سياسية ودينية للاتجاه نحو مزيد من التوتر والتوتير والعنصرية، وبين قادة الجيش الذين يدافعون عن استقلاليتهم. وهذا الصراع من قبل الجيش نحو استقلاليته، ورد في مقال في صحيفة "هآريتس"، جاء فيه أن الضباط "هم بوضوح يقاتلون من أجل استقلالهم"، وأنهم يقاتلون من أجل "أن لا يكون الأمر أن يخبر الجيش قادة البلاد ما يحبّون سماعه، لأنّ هذه معادلة لهزيمة عسكرية نهائية".
بكلمات أخرى، جزء مما يحدث هو دفاع عن الصلاحيات، بين مجموعات سياسية تريد الاستمرار في الاعتماد على الشعبوية، والتطرف، وتوظيف الجيش كما تريد، والدفاع عن أي تجاوز أو سلوك يقوم به أي فرد في الجيش، طالما كان ذلك في إطار الاعتداء والعنف ضد الفلسطينيين، وبين جنرالات يخشون أن تُفلت زمام الأمور، فضلا عن خوفهم من أن يتحولوا لأدوات، ويتآزروا مع بعضهم البعض ضد "المجموعات" السياسية التي تريد تغيير تركيبة الجيش.