عن "أباطرة" المخدرات وضحاياها

هل يوجد "اباطرة" مخدرات في بلدنا؟ ثلاثة أسباب دفعتني لطرح هذا السؤال، الأول: ‏ان نسبة المخدرات تصاعدت بأكثر من 500 % خلال عام واحد، بمعدل جريمة مخدرات كل 26 دقيقة، ما يعني أن هذه التجارة أصبحت تحظى بـ"مراكز" لها من القوة والنفوذ ما يمكنها من (الازدهار)، الثاني انه لكل سلعة مهمة تجار كبار يحتكرون استيرادها وتوزيعها، ولا يسمحون لأي منافس آخر بالدخول الى أسواقها، وفي تقديري ان "المخدرات" ليست استثناء من هذه القاعدة.اضافة اعلان
‏اما السبب الثالث، فهو أن ظاهرة "أباطرة" المخدرات عابرة للحدود والقارات، ولا تخلو منها أي دولة تعاني من هذه المشكلة، وإذا كانت قد تحولت إلى "اقتصاد" معتبر في بعض الدول ولدى بعض التنظيمات الإرهابية، فإنها اقتحمت، أيضا، مجالات البزنس السياسي، وأصبحت جزءا منه، وتحت مظلة نفوذه وحمايته.
يوجد لدينا في الأردن، حسب احصائيات هذا العام، نحو 22 ألف شخص تم ضبطهم وهم يتعاطون المخدرات (لا تسأل عن عدد من لم يتم ضبطهم)، ونحو (7730) ‏شخصا تورطوا بالاتجار بالمخدرات، ‏يتوزع المتعاطون على بيئات مختلفة، منها الجامعات (18 %)، والمدارس (13 %)، والأماكن العامة (34 % )، وفق دراسة اعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي قبل 4 سنوات.
هذه الأرقام مفزعة من جهتين: جهة اعداد ‏المتعاطين وتصاعدها سنويا، وفئاتهم العمرية حيث ان معظمهم من فئة صغار السن والشباب، وجهة الأماكن والبيئات التي دخلت إليها المخدرات، ومن بينها المدارس والجامعات وأماكن العمل، ومن ثم الجرائم التي يرتكبها بعضهم (آخرها شاب قطع رأسه والدته).
في موازاة ذلك، انصب الجدل الذي شاهدناه مؤخرا على مشروع قانون المخدرات حول مادة واحدة تتعلق بـ"السابقة الجرمية" والقيد الأمني بحق مرتكبي الجريمة للمرة الأولى، هذا النقاش ربما يكون مفهوما في سياق المطالبات ‏بتغليظ العقوبة لجميع المتورطين في عملية المخدرات، لكن اختزال المسألة بالقانون فقط، كرادع وحل للمخدرات التي تحولت من محطة "مرور" وعبور إلى شبه ظاهرة تتمدد في مجتمعنا، يحتاج إلى وقفة عميقة، فالقانون ومعه أذرعة الأمن التنفيذية، قد يكون جزءا مهما من الحل، لكن ثمة أماكن أخرى يفترض أن نذهب إليها لمواجهة المخدرات ومحاصرة انتشارها.
‏يكفي أن نسأل هنا عن الواجبات المفترض أن تنهض بها الأسرة والمدرسة، ومؤسسات التوجيه الديني والثقافي والإعلامي، وعن عدد مراكز علاج الإدمان والمخدرات (يوجد لدينا مركزان فقط لا يستوعبان أكثر من 200 شخص) وعن غياب الرقابة الحقيقية عن الأماكن التي تنتشر فيها المخدرات كالمقاهي والأندية الليلية والرياضية، ثم عن "حالة" مراكز الإصلاح وما يتلقاه سجناء المخدرات من تأهيل ، ومن رعاية لاحقة بعد خروجهم منها (أكثر من 50 % يكررون الجريمة)، هذه الأماكن وغيرها ما تزال بعيدة عن نقاشاتنا العامة، وعن "أجندة" الحلول التي يفترض أن نضعها لمواجهة المخدرات كجريمة أولا، وكمرض وكارثة اجتماعية أيضا.
‏ ‏بقيت لدي ثلاث ملاحظات، الأولى تتعلق بمصادر التهديد، حيث تشكل الحدود مع الجنوب السوري أخطر نقطة في الوقت الراهن، أذ تنتشر في هذه المنطقة، وفق مصدر رسمي، مجموعات كبيرة من منتجي وتجار المخدرات، ‏وهؤلاء يمارسون يوميا عمليات التهريب إلى داخل الأردن.
الملاحظة الثانية تتعلق بالجهود الجبارة التي يبذلها منتسبو القوات المسلحة الأردنية وجهاز الأمن العام لمواجهة هؤلاء المهربين، ولولاهم لغرقت بلادنا بالمخدرات، وهم يستحقون التقدير والشكر فعلا.
‏اما الملاحظة الأخيرة فهي أن السؤال عن "أباطرة" المخدرات، وعن أسواقها، وعن امتدادها إلى معظم المناطق في بلدنا، يستدعي أيضا أسئلة أخرى عن واقع الشباب في بلادنا وعن معاناتهم مع البطالة والفقر، وعن دور مؤسسات المجتمع المدني المشغولة بأجنداتها الخاصة عن هذه "القضية" التي تشكل أخطر تهديد أخلاقي واجتماعي لمجتمعنا.