عن أي صندوق سيادي نتحدث؟!

عن أي صندوق سيادي استثماري نتحدث إذا كانت موازنة الخزينة تحقق عجزاً تلو العجز سنة بعد سنة؟! الصندوق السيادي بالمفهوم العالمي وحتى الاقليمي هو صندوق تؤسسه الدولة من أموال فائضة لديها وتحيد أمواله عن الاستخدامات والنفقات الجارية، لتترك تلك الأموال للاجيال المقبلة لتستخدم في الأوقات الصعبة عندما تمر الدولة بضائقة مالية أو ظروف صعبة كالتي مرت بها المملكة أثناء جائحة كورونا على سبيل المثال.اضافة اعلان
كانت أول مرة يذكر فيها مصطلح قريب من مفهوم الصندوق السيادي أو صندوق الأجيال في قانون التخاصية الذي أقر بتاريخ 2 تموز 2000. وكان ذلك المفهوم قد ولد ميتاً في حينه من حيث المبدأ. لماذا ولد ميتاً؟ لان مواد القانون سمحت باستخدام تلك الأموال لأغراض سداد وشراء ديون بخصم (وأي خصم!!) وغيرها من الاستخدامات الجارية. وكان الأجدى أن يتم تحييد مبلغ كبير من تلك الأموال لصالح "صندوق سيادي" لان تلك الأموال كانت بالفعل تمثل أموالا سيادية. بمعنى أنها أموال كانت تعود للخزينة من عوائد بيع أصول الدولة. ولكن حتى يُغلق موضوع صندوق الأجيال نهائيا في تلك الفترة تم الغاء قانون التخاصية بقانون آخر سنة 2015. فعن أي صندوق سيادي نتحدث الآن؟!
اما وأن موازنة الخزينة تسجل عجوزات متتالية سنة بعد سنة، فان ما يورث للأجيال القادمة فعلياً هي ديون والتزامات، ثمنها كبير وعبئها ثقيل على الخزينة ومؤسساتها وعلى المواطن أكثر. والتساؤل التالي الذي يطرح هو كيف يمكن التحدث عن صندوق سيادي يكون مفتوحا للمواطنين المغتربين؟ الصندوق السيادي يكون سياديا عندما يكون مملوكا مائة بالمائة من الدولة؛ بمعنى خزينة المملكة، ولا يكون فيه شريك أيا كان!! أما إذا تحدثنا عن صندوق استثماري وليس سياديا، فلنترك ذلك للقطاع الخاص وللصناديق الاستثمارية التي يديرها القطاع الخاص ويقرر سياستها الاستثمارية. وعندئذ يكون ذكاء الحكومة بجلب تلك الصناديق للاستثمار في القطاعات التي تحقق تنمية في الأردن وتسد فجوات تنموية حقيقية في البنية التحتية في المملكة، وما أكثرها!!
لنتحدث بواقعية وبوضوح أكثر، فوائض الأموال الموجودة في الأردن موجودة في أربعة أماكن؛ الأول في البنوك، وفيها من الموجودات ما يتجاوز 55 مليار دينار، وهي أموال في غالبيتها للقطاع الخاص وشركاته. والثاني، في سوق البورصة، ويقاس حجم الأموال فيها بالقيمة السوقية للأسهم المدرجة فيها، والتي وصلت إلى 12.9 مليار دينار في نهاية 2020. وهذه أيضا أموال جزء كبير منها للقطاع الخاص ولصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي وللمستثمرين غير الأردنيين. والثالث، موجودات البنك المركزي بالعملات الأجنبية وتقدر بحوالي 16 مليار دولار، وهذه تعتبر موجودات سيادية، لكن أغراضها مختلفة ولا يمكن المساس بها لغير أغراض السياسة النقدية. اما المكان الرابع فهو صندوق أستثمار أموال الضمان الاجتماعي، وأمواله ليست للخزينة وانما لمشتركي الضمان الاجتماعي، ولا يمكن المساس بهذه الأموال. ويجب أن تبقى السياسة الاستثمارية لأموال الصندوق متروكة لادارة الصندوق والتي أعتقد أنها بحاجة لزيارة وتطوير وتحسين لتتماشى مع التطورات العالمية في هذا المجال. اذن يبقى السؤال مطروحاً هل بامكان الأردن انشاء صندوق سيادي استثماري؟
الإجابة عن هذا التساؤل من وجهة نظري مقترنة بالكثير من الشروط الصعبة ولكن غير المستحيلة. وهذا يحتاج لجلسات خاصة وعصف ذهني وتشريعات وحاكمية حازمة وأسس إدارة مختلفة لأموال الخزينة وأصول الدولة التي ما زالت أعتقد انها متوفرة وبغزارة في سماء الأردن وعلى ترابه وتحت التراب ايضاً.