عن إهمال القناة الشمالية

يوسي بيلين: اسرائيل هيوم

"يا يوسي، عليك أن تفهم بأنه من ناحية الولايات المتحدة السلام الإسرائيلي - السوري هو الأولوية العليا. هذه خطوة استراتيجية ستغير وجه الشرق الاوسط وتساعد مكانة الولايات المتحدة في المنطقة بعد حرب الخليج (الأولى). السلام مع الفلسطينيين مهم، ولكن ليس له معنى استراتيجي مثل السلام بينكم وبين السوريين".

اضافة اعلان

هذه الكلمات قالها لي في صيف 1993 دنيس روس الذي كان المسؤول الاميركي عن مسيرة السلام في عهد الرئيس كلينتون. شرحت له بأني أرى نفسي كمن يؤمن بتقدم مسيرة السلام مع كل جيراننا، ولا أنتمي الى حزب مؤيد للفلسطينيين. في نظري كانت أهمية هائلة لمؤتمر مدريد، الذي تقرر فيه المبدأ الذي بموجبه يعتبر إجراء المحادثات المتوازية مع كل جيراننا هو الطريق السليم لمعالجة النزاع الإسرائيلي - العربي. لست واثقا بأنه اقتنع وقد بذل كل جهد مستطاع لتفضيل القناة السورية، ولم يكن نجاحه بائسا: فقد نجح في إقناع رابين في أن يسلم أمانة للاميركيين (وديعة رابين) عن استعداده التخلي عن كل هضبة الجولان مقابل ترتيبات أمنية تستجيب لاحتياجات إسرائيل.

الأسد الأب، الذي شعر بالغضب من حقيقة أن عرفات توصل الى اتفاق مع إسرائيل في أوسلو من دون التشاور معه أو إطلاعه على الاقل، اعلن بأن من الان فصاعدا لم يعد ملزما بأن ينتظر السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وشعر بنفسه حرا في ان يعمل بانفراد، في صالح المصلحة الوطنية السورية.

رؤساء وزراء إسرائيليون، الواحد تلو الآخر، مالوا الى التفكير بأن السلام الاسرائيلي - السوري كفيل بأن يكون اسهل على التحقق من سلام اسرائيلي - فلسطيني. وكان رابين مستعدا لأن يأكل القبعة وأن يهجر شعاره الانتخابي "المجنون وحده سينزل من هضبة الجولان"، بيرس حاول الوصول الى اتفاق في مزرعة واي، في 1998 بعث نتنياهو برون لاودر الى الأسد الاب وبعد ذلك تنكر لاستعداده للتنازل عن الجولان، باراك وصل الى محادثات شيبردستاون مع وزير الخارجية السوري والرئيس كلينتون وذعر من الاستطلاعات التي أظهرت بأن الجمهور الإسرائيلي يفضل الجولان على السلام. شارون لم يحاول شيئا، واولمرت حاول العمل بالتوازي في المسار الفلسطيني والمسار السوري، وفشل. كلهم توصلوا الى الاستنتاج بأن المحادثات مع الفلسطينيين عملية أكثر.

بشار الأسد يسير في طريق أبيه. منذ أن تسلم الرئاسة بالوراثة وهو يعرب عن الاستعداد للسلام مع اسرائيل بثمن النزول الكامل من الجولان. في هذه الاثناء يستضيف في دمشق قادة حماس، ينقل السلاح الى حزب الله ويعانق أحمدي نجاد.

باراك أوباما لا يحث القناة الاسرائيلية - السورية. ومع أنه يحاول اعادة تعيين سفير في دمشق، ورئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور كيري، يصل بين الحين والاخر للقاء الاسد، الا ان الرئيس الاميركي لا يضغط علينا لاستئناف المحادثات مع السوريين. ما بدا لأميركا الديمقراطية كمصلحة ذات اولوية عليا على نحو خاص قبل بضع سنوات، يبدو اليوم، لإدارة مشابهة في تركيبتها الايديولوجية والإنسانية، ذا اولوية أقل علوا.

هذا إهمال غير مفهوم لإمكانية عملية لحل مشكلة مركزية في المنطقة. هذا هو الزمن لإعادة التجربة.