عن التقدم والفشل

يرد دارغون أسيموغلو وجيمس روبنسن (في كتابهما "لماذا تفشل الدول") التقدم والفشل إلى طبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلد؛ إن كانت "شاملة" تنهض بمستوى المعيشة والخدمات والفرص الاقتصادية والاجتماعية لجميع المواطنين، أو "استخراجية" تعود بالفائدة على أقلية من المواطنين.اضافة اعلان
لكن، وبطبيعة الحال، سيكون ثمة سؤال تلقائي: لماذا ظهرت المؤسسات الشاملة في بعض أجزاء من العالم وليس في غيرها؟
المؤسسات الشاملة هي التي تحمي حقوق الملكية وتكافؤ الفرص، وتشجع الاستثمارات والتقنيات والمهارات الجديدة الملائمة للتطور الاقتصادي والسياسي. وتقابلها "الاستخراجية"، التي تفشل في حماية الحقوق وتقديم الحوافز للنشاط الاقتصادي. وفي المؤسسات الشاملة، يجري تداول السلطة السياسية سلميا، ويشارك في صياغتها جميع المواطنين، ويطبق القانون بعدالة وشمول بلا استثناء، ويسود اقتصاد السوق الشامل. أما في المؤسسات الاستخراجية، فتتركز السلطة بيد فئة قليلة، وتدار الحوافز والفرص لصالح هذه الفئة فقط، وإذا حدث نمو اقتصادي فلا يستفيد منه أغلب المواطنين.
يتطلب النمو الاقتصادي المستدام ابتكارا وإبداعا في الأعمال والموارد. وبطبيعة الحال، فإن ذلك يقتضي إلغاء واستبدال الموارد والوسائل القديمة التي تتحول إلى عبء اقتصادي واجتماعي. وتقابل ذلك مقاومة شرسة من الأنظمة والمؤسسات الاستخراجية للتغيير والإبداع، ولو أدى ذلك إلى الفوضى وغياب الاستقرار.
وتنشئ "الاستخراجية" متوالية من الفشل. في المقابل، فإن "الشمولية" تنشئ متوالية من النجاح والازدهار، ولكنها متواليات يمكن أن تكسر أو توقف في سياق التحولات الممكن حدوثها، أو بسبب أحداث كبرى تغير العالم، مثل الثورة الصناعية، وقبلها خطوط الملاحة عبر البحار والمحيطات والكشوف الجغرافية وما تبعها، أو الأوبئة (مثل الطاعون) التي كانت تقضي على نسبة كبيرة من السكان.
وفق التفسير المؤسسي، فإن أوروبا والولايات المتحدة سوف تواصلان في القرن المقبل نموهما الاقتصادي الشامل، وتواصلان أيضا تفوقهما على غيرهما من الأقاليم. لكنْ ثمة فرص للدول التي تبدو اليوم فاشلة أن تكسر القالب، وتنتقل من الفشل إلى النجاح.
وقد يكون مفاجئا، وفق هذه النظرية، أن الصين برغم تقدمها الاقتصادي الحاضر، فإنها لن تستطيع مواصلة ذلك، بسبب طبيعتها الاستخراجية. في المقابل، فإن كوبا تبدو مرشحة للتحول إلى الشمولية في مؤسساتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية.
وقد يبدو صعبا تقييم وتقدير كيف يتحقق الازدهار والفشل، فالوفرة المالية المتأتية خارج الأسواق والإنتاج (الاقتصاد الريعي) هي بعامة تنشئ أمراضا اقتصادية تهدر الفرص المصاحبة للوفرة، لكنها يمكن أن تقدم أيضا مجالا لتحسين مستوى التعليم والخدمات والتدريب؛ ما ينشئ أسواقا جديدة مهمة. ولا يمكن، أيضا، تقديم توصيات موحدة للمجتمعات والأسواق، فكل حالة مستقلة بذاتها، والمهم أن تدير مواردها على النحو الذي يعود بتحسين الحياة على جميع المواطنين، وألا تحتكر الموارد والنفوذ فئة قليلة من الناس. ففي غياب العدالة والديمقراطية في إدارة وتنظيم الموارد، تتشكل متوالية من الفشل؛ تبدأ بالاستبداد ثم الفساد ثم الفوضى وغياب الأمن والاستقرار. وليس مؤكدا أيضا أن التخطيط السليم يؤدي إلى النتائج المرغوبة؛ ففي تفاعل المراحل والظروف والاستجابات تتشكل احتمالات عدة للنتائج.