عن العلاقة بين "الإخوان" والحراك الإصلاحي

تختلف المعارضة الأردنية عن نظيراتها في المحيط العربي بأنها معارضة للحكومات وليست معارضة للحكم. وتدرك المعارضة، بتعبيراتها المختلفة، ضرورة العمل تحت سقوف التوافق حين يغيب الإجماع الوطني، ويظل أداؤها في سياقه العام سلميا وهادئا يبلغ أقصى مداه في التوتير ولا يقترب من التفجير.اضافة اعلان
هذا هو حال معارضتنا المؤطرة في اليمين وفي اليسار، وهذا هو حال العمل الحزبي الأردني الذي تراجع بشكل كبير ولافت مقارنة مع ما كان عليه النشاط الحزبي في البلاد في أواسط الخمسينات من القرن الماضي.
تراجعت الأحزاب التقليدية، ولم يبق من معظمها غير أسمائها. لم يعد الحزب الشيوعي الأردني تشكيلا سياسيا وعقائديا فاعلا، واكتفى الرفاق بالحفاظ على اسم الحزب كتعويذة رومانسية تذكر بما مضى من مجد تجسد في السجون أكثر مما تجلى في صياغة التوجه السياسي للبلاد.
وتراجع حضور البعثيين، وربما ساهمت تجربة وصول الحزب إلى السلطة في دمشق وبغداد وما عاناه السوريون والعراقيون من قمع غير مسبوق في تاريخ العرب الحديث، في تحطيم أحلام البعثيين الأردنيين في تشكيل حزب جماهيري يحظى بحضور مؤثر في المشهد السياسي.
وكذلك تلاشى صوت القوميين العرب والناصريين، وظلت الساحة مفتوحة على مداها طيلة العقود الماضية لتشكيل سياسي واحد هو "جماعة الإخوان المسلمين" التي تضخمت بشكل لافت مستفيدة من التحولات المحلية والإقليمية والدولية، ومن غض الطرف الرسمي والأمني عن نشاطها، حتى في ظل الأحكام العرفية. وقد استطاعت الجماعة، بذكاء شديد استثمار انهيار اليسار العالمي واختراع الولايات المتحدة لفزاعة "الخطر الاسلامي"، وواصلت نشاطها بقوة حتى أصبحت القوة السياسية الوحيدة الفاعلة والمؤثرة في الشارع الأردني.
حتى آذار الماضي كان يمكن للحركة الإسلامية الركون إلى هذه الحقيقة والاعتماد على هذا التفرد في صياغة علاقتها بالدولة وبالمجتمع، لكن تطورا كبيرا وخطيرا ظهر فجأة في الشارع الأردني. لقد تحركت قوى شبابية غير حزبية تتبنى مطالب تتجاوز كثيرا ما ورد في أدبيات الأحزاب والقوى المعارضة، وتبدو أكثر صدقا وإقناعا في تمثيلها للناس نتيجة حرصها على التحرر من حصار التصنيف التنظيمي أو العقائدي.
تجاوز الإسلاميون الأردنيون صدمتهم الأولى، وانتبهوا إلى ضرورة الانخراط في هذا الحراك الجديد، منطلقين من قناعتهم بأحقيتهم في قيادته وبقدرتهم على توجيهه بفعل حضورهم الكبير في الشارع. لكن الأمور لم تسر في هذا الاتجاه، فهناك من اعتبر هذه المبادرة تحرشا غير مقبول لقطف ثمار لم يزرع الإسلاميون بذورها، وهناك من اعتبرها محاولة مرفوضة لامتطاء الحراك الجماهيري واستثماره في الضغط لتحصيل مكاسب وإنجازات حزبية. وهناك من شكك وما يزال يشكك في أجندة الإخوان المسلمين وعلاقاتهم الخارجية، وارتباطهم مع حركة حماس تحديدا.
بالطبع، يمكن تجاوز التشكيك في الأجندة بكل سهولة، لأنه لا يوجد إسلام أردني خاص بالأردنيين فقط، كما لا يوجد إسلام فلسطيني خاص بالفلسطينيين دون غيرهم من خلق الله. لكن ما لا يمكن تجاهله هو عقدة العلاقة بين الحركة الإسلامية وقوى الحراك الإصلاحي، فهذه العلاقة مرشحة للتأزيم بشكل متسارع، وربما يدلل ما حدث في مسيرة وسط البلد أمس على وجود مشكلة حقيقية بين الطرفين، وغياب الثقة التي لا يستقيم أي عمل جماعي أو تحالفي بدونها. من حق القوى الشبابية الإصلاحية أن تقود حراكها السلمي بما تراه من استقلالية تعزز مصداقية مطالبها، وربما كان على الحركة الإسلامية أن تراجع موقفها في هذا السياق وأن تحدد موقفها وموقعها بشكل واضح حتى لا يظل المشهد غائما والتساؤل قائما حول دوافع الانخراط في حراك إصلاحي يدعو لتوسيع هامش الحرية في الأردن، والبقاء في الوقت نفسه في إطار تجمع حزبي للمعارضة يدافع الكثيرون من أعضائه عن القمع والمجازر في سورية.