عن بني ارشيد والمحيسن

المؤكد أن النواب الأربعين الذين طالبوا بعفو خاص عن القيادي الإخواني زكي بني ارشيد، لا يشاطرونه الكثير من آرائه، خاصة تلك التي حوكم وسجن بسببها. لكن انحيازهم لنظام سياسي عُرف على مدار تاريخه باحترامه للحريات العامة، وتقبله النقد، وإن كان جارحا في بعض الأحيان، هو الذي دفع بهم إلى مخاطبة رئيس الوزراء للتنسيب بعفو خاص عن بني ارشيد.اضافة اعلان
معادلة الأمن والحريات تخضع في التطبيق لمحددات تختلف باختلاف الظروف؛ فكلما تعززت مكانة وشرعية النظام السياسي، أصبح أكثر قدرة على احتمال النقد، والعكس صحيح.
الأنظمة السياسية التي تضيق ذرعا بمعارضيها، عادة ما تكون شرعيتها مثلوبة وتحت التهديد. النظام السياسي الأردني لم يتوفر في تاريخه على هذا القدر من الشرعية التي يحوزها حاليا.
من يتجرأ اليوم، في الداخل أو الخارج، على السؤال عن شرعية النظام السياسي الأردني، واستقرار المملكة؟
في السنوات الأربع الأخيرة، دخلت جميع الأنظمة السياسية في العالم العربي امتحان الشرعية. كان عسيرا وصعبا وغير مسبوق. فتهاوى أباطرة، وتفككت دول، وسفكت دماء غزيرة حتى يبقى حكام على كراسيهم. ربما لم يحقق أنصار الإصلاح في الأردن كل مايتمنون، لكن الجميع ومن كل الأطياف، خرجوا أكثر إيمانا بشرعية الحكم. النظام السياسي كان الرابح في امتحان الشرعية.
وحين تحسم دولة أمر شرعيتها، يكون كل ما بعدها تفاصيل، نختلف أو نتفق عليها. ويصبح الاختلاف في الآراء مهما بلغ في حدته، مظهرا من مظاهر الشرعية.
سلوكنا في بعض الأحيان يخالف واقعنا. نتصرف وكأننا دولة مذعورة؛ نلاحق ناشطا مغمورا على عبارات نشاز كتبها على "فيسبوك"، فنصنع من صاحبها نجما سياسيا وداعية حقوق إنسان، تتحرك منظمات عالمية لتخليصه من "قمع" النظام الأردني. مع أن مواقف هذا الشخص لا تجد قبولا حتى عند أقرب المقربين منه.
بصراحة، لا أجد مبررا لهذا السلوك. الدولة في حالة حرب مع الجماعات الإرهابية وفكرها الظلامي. هذا صحيح، وهى معركة الأردنيين نساء ورجالا، قبل أن تكون معركة الجيش والمؤسسات الأمنية. معركة نخوضها بجسارة وعلى كل الجبهات. لكن من الخطورة بمكان أن تستخدم الحرب على الإرهاب للتضييق على أصحاب الآراء المعارضة.
عادة ما تنطوي حروب الدول مع الجماعات الإرهابية على تجاوزات تمس الحريات العامة. يحصل ذلك في أعرق الدول الديمقراطية، فكيف في بلداننا التي ما تزال في طور التحول الديمقراطي. لكن الأردن بلد ذو خصوصية؛ فقبل أن يعود إلى طريق الديمقراطية قبل ربع قرن تقريبا، كان يتمتع بهامش كبير من الحريات والتسامح مع أصحاب الرأي المخالف. الحريات سبقت الديمقراطية في بلادنا، وهي واحدة من السمات الفريدة للنظام الملكي الأردني.
ما من سبب يجبرنا على التفريط بهذه الميزة.
في عز الأحكام العرفية، كان لمواطن مثل الدكتور جهاد المحيسن، الموقوف حاليا من دون محاكمة منذ أكثر من ثلاثة أشهر تقريبا، أن يدلي برأيه، و"يخبص" في الكلام من دون أن يلاحق أو يسجن. فما بالنا اليوم لا نحتمل كلاما طائشا لا يثير سوى السخرية في أوساط الناس؟
نتفهم مطلب النواب، ونضيف إليه قضية الزميل المحيسن؛ ليس لأننا نوافق بني ارشيد والمحيسن الرأي، بل لأننا منحازون إلى قيم الدولة الأردنية التي تربينا عليها.