عن جد "واو"!

دخلت مفردة "واو" بقوة إلى الكلام الدارج، عندنا وعند غيرنا. لقد جرى نقلها، وبسرعة، عن wow الأجنبية، مع أن كثيرين سيجادلون بأنها أصلاً عابرة للثقافات. إنها الآن تكاد تقتحم الكلام الرسمي أيضاً، بل المكتوب أحياناً، لا سيما في وسائل التواصل بعد أن اعتمدها "الفيسبوك" كواحدة من أدوات التفاعل مع منشورات النشطاء، أي كلام "الشعب الافتراضي" الذي يكاد يطغى على كلام الشعب الواقعي.اضافة اعلان
إنها مفردة ساحرة، فهي تدمج في لحظة واحدة، بين لغة الجسد واللغة المنطوقة باللسان. إن صوت "واو" الذي يأتي مترافقاً مع انفراج فتحة الفم بشكل دائري ثم غلقها مرة أخرى، مع رفع الحواجب وفتح العيون، يحمل إيحاءات مباشرة بمعاني المفاجأة والإعجاب والتشجيع والمجاملة والتوافق والسرور والتحفيز، تجاه ما يحصل أمامك.
لكن "واو" أخذت تتجاوز استخداماتها التقليدية هذه. تعالوا مثلاً ندقق في العبارات التالية التي أصبحت أيضاً دارجة:
(لقد عمل فلان عملا "كثير واو"!) أو (هو يعتقد أنه قدم رأيا "واو" لكنه في الواقع قال كلاما عاديا!) أو (ليس مطلوبا منك شيئا "واو"، فقط نريد مشاركتك).. وهكذا. وبالطبع يمكن لمن يرغب الاسترسال في إيراد عبارات أخرى مماثلة، تدل بوضوح على أن الكلمة دخلت عالم البلاغة اللغوية الشعبية.
يقوم النشاط الاقتصادي في كثير من جوانبه على الحملات الإعلانية، واليوم أنت ملاحق بالكثير منها على مدار الزمان والمكان؛ في الشوارع وعلى جدران المباني (أعلن هنا)، وعلى الشاشات باختلافها (تلفزيون، كمبيوتر، خلوي) وفي الإذاعات والصحف طبعاً. وفي عالم الإعلان ينبغي أن تكون "واو" في كل ما يصدر عنك وكل ما توجهه لزبائنك، لأنك إذا لم تكن "واو" أكلتك الواوات المنافسة! وفي أحيان كثيرة تحتوي الإعلانات نفسها على كلمة "واو" أو أشخاص في وضعية "واو" ممدودي الأيدي مرفوعة الابهام، وهي إحدى حالات "واو" الشهيرة.
ولكن حتى في النشاطات الرسمية غير التجارية، صار المشاركون يستخدمون الكلمة ولو في سياقات غير رسمية لغاية الآن، وأحياناً بشكل رسمي/ فكاهي، إذا جاز التعبير، أو في منبر خاص لشخص رسمي، مثل حسابات فيسبوك وتويتر التابعة لشخصيات وقورة. واليوم في اللقاءات غير الرسمية بين رسميين، أو في كلام غير رسمي بين رسميين، قد نسمع عبارات مترافقة مع ابتسامات رسمية، مثل:
(ما كتبته اليوم "واو")، (تغطيتكم للأخبار "واو" فعلاً)، و(الحكومة أخذت موقف "واو")، و(الحزب أصدر "بيان واو").
غير أن أمر "واو" هذه لا يخلو من جدال وخلاف: فقد يقول محتج على وصفك لأمر بأنه "واو": "يا أخي لا واو ولا يحزنون، إنه أقل من عادي". فترد عليه: "يا أخي إنه بالنسبة لي "واو" وأنت حر في تقييمك". فيستأنف مجادلك: "أنت تراه "واو" لأنه يصب في مصلحتك". فتختم محاولاً إنهاء النقاش: "سوف لن أجادلك فأنا أدرك أن "واو" بالنسبة لي غير "واو" بالنسبة لك".. وهكذا.
في عصر السرعة والتفاعل المباشر وعصر الوصول والتواصل، وعصر الترويج والإعلان، ينبغي أن نعوّد أنفسنا على قاعدة "احترام الواو والواو الآخر".