عن حال القراءة عند العرب

الأرقام التي وردت في تقرير على موقع "غلوبال انغليش إديتينغ" حول عادات القراءة في العالم للعام 2017، وألقى عليها الضوء الباحث هيثم مزاحم في موقع قناة الميادين الإلكتروني، تخبرنا أننا أمام تحول جذري في عادات القراءة في العالم العربي، ربما يسهم في التغيير الثقافي والاجتماعي المرجو. اضافة اعلان
مصر والسعودية احتلتا مواقع متقدمة في التقرير، وتخطتا المعدل الوسط في القراءة (6.5 ساعة أسبوعياً)، واحتلتا، على التوالي، المرتبتين؛ الخامسة والحادية عشرة.
يعطي التقرير الأمل، بأن ثمة سياسات معينة انتهجتها بلدان عربية استطاعت من خلالها التأسيس لعادات القراءة، ورفع معدلاتها، سيراً نحو تأصيلها داخل المجتمعات، وهي سياسات ينبغي أن يتم إلقاء الضوء عليها للاستفادة منها في بلدان أخرى.
قد لا تكون مثل هذه الأرقام دقيقة تماماً، ولكنها بالتأكيد تشي بحالة من التقدم، على عكس الأرقام السابقة التي كانت تضع العرب في مستويات متدنية جداً، ما يصيب المتابعين بالإحباط ويسلمهم إلى اللاجدوى، خصوصاً حين تقول إن العربي يقرأ زهاء 6 دقائق سنوياً في مقابل 200 ساعة للأوروبي، وهو حال استمر على مدار سنوات من دون أي تقدم.
مؤشرات سلبية عديدة تعاني منها المنطقة العربية، خصوصا تدني أرقام الطباعة وهو واحد من الاسباب التي تهوي بمؤشرات القراءة لدينا، إضافة إلى محدودية أعداد المكتبات العامة، وأيضا تدني دخل الفرد وأرقام الفقر، وأخيرا نسب الأمية، كلها مؤشرات لم تكن في صالح رفع نسب القراءة.
لكن الأرقام المتدنية السابقة، كانت مثار شك على الدوام، وكانت موقع تساؤلات حول المنهج والطريقة التي يتم من خلالها إجراء الاستطلاعات وإعداد التقارير، فرغم القناعة بتدني نسب القراءة لدينا، إلا أن هناك مؤشرات بتجاوزها للأرقام والنسب السابقة.
انخفاض القدرة الشرائية للمواطن في كثير من البلدان العربية أسهم في تدني الأرقام. ولكن هذا المعيار بالإمكان تجاوزه في كثير من الأمثلة الساطعة التي نجحت في تخطي هذه العقبة، فبرنامج "مكتبة الأسرة" المعمول به في كل من الأردن ومصر استطاع أن يوفّر الكتاب بأسعار زهيدة جداً، ساهمت برفع أعداد الطباعة من جهة، ومن جهة أخرى وفرت الكتاب بأسعار مناسبة للدخول المتدنية، ما شجع على عمليات الشراء والاقتناء.
أمر آخر يمكن فعله في هذا السياق، وهو استهداف المناطق الفقيرة والأقل رعاية بمكتبات عامة تستقطب المجتمعات المحلية، وتجرّ وعيهم إلى أهمية القراءة، بما يعزز ثقافتها ويسرّع من تقدمها وتنميتها، خصوصاً أن مفهوم المكتبة العامة تعدّى اليوم المفهوم التقليدي نحو كونها مصدر إشعاع أساسي للتغيير.
في هذا السياق، قد يكون في تجربة مؤسسة عبد الحميد شومان الأخيرة، حين افتتحت فرعاً لها في شرقي عمان، أكبر إلهام لنا أن نتخذ من خطوتها تلك أنموذجاً نحتذي به، وندرس جيداً المناطق والمجتمعات التي ينبغي استهدافها، فنلجأ إلى افتتاح مكتبات عامة فيها، لا نرفدها بالكتب فقط، بل أيضا بكوادر قادرة على تصميم برامج تثقيفية وتأهيلية وتعليمية تؤثر في البنى الفوقية لتلك المجتمعات. عنده، وبالتأكيد، سوف تزداد أرقام القراءة، وسوف نحصد ثمار ما زرعناه.