عن مصرع هشام الهاشمي

مايكل نايتس* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 7/7/2020

في 6 تمّوز (يوليو) 2020، اغتيل أحد أبرز الخبراء الأمنيّين العراقيّين في حيّ زيونة في شرق بغداد، الذي يجمع بين طبقات اجتماعيّة مختلفة. عند الساعة 8:19 مساءً، وصل الهاشمي إلى خارج منزله في سيّارته البيضاء رباعية الدفع غير المحصّنة. وقبل ذلك بثوانٍ، كانت درّاجتان ناريّتان تحمل كلّ واحدة منهما رجلَين قد وقفتا في المكان. وكان الرجال يعرفون أنّ الهاشمي آتٍ وسوف يركن سيّارتَه.
وقبل أن يقود الهاشمي سيّارتَه نحو مكانها المخصّص، كان أحد الرجال قد بدأ بإطلاق النار نحو الزجاج من جهة السائق، ثمّ اقترب من المركبة لينهي مهمّته بإطلاق عدة رصاصات عبر الزجاج المحطّم. ثمّ وضع مطلق النار مسدّسه في مخزن مقعد الدرّاجة، وركب خلف السائق الذي كان ينتظره، وبعد ثوانٍ قليلة، انطلق راكبا الدرّاجة الثانية اللذان كانا يصوّران المشهد -أو ربّما كانا فريقاً أمنياً احتياطياً، مبتعدين عن موقع الجريمة. وشاهد أبناء الهاشمي الثلاثة أباهم وهو يُجَر من السيّارة مضرّجًا بالدماء وشبه ميت. وفارق الهاشمي الحياة في أحد المستشفيات بعد وقت وجيز.
ترك هشام زوجةً وأربعة أطفال وراءه، إلى جانب الأصدقاء العديدين من مختلف الانتماءات السياسيّة وفي مختلف أنحاء العالم. وقد عرفتهُ لمدّة 6 سنوات تقريبًا. وفي البداية، كان هشام لغزًا إلى حدٍّ ما بالنسبة لي: إنه محلّل أمني عراقي له معارف كثيرة، ويتميّز بأخلاقيات مهنية متينة وغرائز تحليلية جيّدة -وهو مزيج قوي ونادر جدًّا.
كان هشام سجيناً سابقاً في معسكر بوكا، وهو مركز اعتقال أميركي في العراق. ورأى هشام بعضًا من التمرّد العراقي من الداخل، لكن مدى عمق تورّطه لم يكن واضحاً في أي يوم. وقد درس هشام تنظيم "داعش" في العراق، وكانت تحليلاته محطّ اهتمام لدى مراكز الأبحاث والمشاريع البحثية المموَّلَة مِن المنح لأنّه أضاف رأيًا عراقيًّا إلى موضوع كان وما يزال يسيطر عليه باحثون غير عراقيّين.
من أكثر الجوانب المثيرة للفضول في أعماله تعاطيه مع "قوات الحشد الشعبي". فبعد سقوط الموصل، كان هشام فخورًا بـ"قوات الحشد الشعبي" واعتبرها جزءًا من الجهود العراقية والدولية المنسَّقَة بشكلٍ يفتقر إلى الدقّة والموجَّهَة نحو دحر "داعش". وحصل على مقابلات مع كبار قادة "قوات الحشد الشعبي"، بمَن فيهم أبو مهدي المهندس المدرَج على قائمة الإرهاب الأميركية.
وبصفتي أميركيًّا، لم تكن لدي أي رغبة في إجراء مقابلة مع المهندس (ولكان الهامش القانوني لذلك موضع شكّ)، لذلك، كنتُ مفتونًا بقراءة كتابات هشام حول تفكير أصحاب المناصب الرفيعة داخل "قوات الحشد الشعبي". وكان من الصعب عدم الشعور بالغيرة من قدرته على الوصول إلى الأفراد، لكنّه كان من المستحيل أيضًا مقاومة سحره الفائض وطبيعته الكريمة.
بعد هزيمة الخلافة الإقليمية لـ"داعش" في العراق في العام 2017، شعرتُ بتغيّر تدريجي في نظرة هشام إلى المهندس والمجموعات المدعومة من إيران داخل "قوات الحشد الشعبي". فلطالما علم بعلاقاتها مع إيران، وبتصرّفها مثل العصابات، وبهجماتها على المدنيّين من الطائفة السنيّة (كان هشام من خلفية سنيّة، لكن هذا لم يكتسِ بالأهمية). وبعد استعادة جميع مدن العراق، بدأ هشام يشعر -كما فعل الكثير من العراقيّين- بأنّ سمعة "الحشد الشعبي" تضرّرت بسبب ميليشيات المهندس المدعومة من إيران. وكان هشام مدافعًا عن "تطبيع" "قوات الحشد الشعبي" تحت سيطرة الدولة، وساعدت طريقة التفكير التي اعتمدها العراقَ وشركاؤه من مقدمي المساعدات على تصوّر كيف يمكن أن تساعد الإصلاحات في القطاع الأمني على جلب الأسلحة إلى سيطرة الدولة.
أصبح هذا الموقف القومي العراقي يزداد تبلوراً بعد أن بدأت العناصر المدعومة من إيران داخل "قوات الحشد الشعبي" بقتل عشرات الشباب من المتظاهرين العراقيّين في تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2019. وقد صُعقتُ بالتغيير الذي حلّ بنبرة هشام، على الصعيد الشخصي وفي تغريداته الكثيرة على موقع "تويتر". وبكونه صحفيًّا وأبًا لأربعة أطفال تقلّ أعمارهم بـ10 سنوات عن أعمار المتظاهرين الذين يُقتَلون، ذهب هشام "إلى أقصى الحدود" في كتاباته عن المظاهرات. وقد تخلّى عن الحيطة والحذر عندما أدارت الميليشيات حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
في تلك الفترة، تساءلتُ عن مدّة استمراره. فقد بدتْ دعواته الصريحة بتقديم الميليشيات إلى العدالة جريئة وبارزة للغاية بحيث لا يمكن الردّ عليها إلّا بعنف. وحتّى اللحظة الأخيرة، بقي هشام شجاعًا إلى حدّ التهوّر، على مستويَي أمنه الشخصي وكتاباته. وإذا كان يمكن التكلّم عن شهيد حيّ في العراق، فإن مَن يراه كان يشعر بأنّه إذا كان هناك رجل ميت يمشي على قدمين منذ بداية المظاهرات، فهو هشام.
ولم يكن هشام عنصرًا من الحلقة المقرّبة لرئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، لكنّهما كانا كاتبَين حريصَين على مراقبة الساحة الأمنية العراقية، وكلاهما كانا قوميّين عراقيّين أرادا وضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة. كما تعرّضا أيضًا للمضايقات والتهديدات الشديدة من قبل الميليشيات مثل "كتائب حزب الله". وفي 26 حزيران (يونيو)، ردّت "كتائب حزب الله" على اعتقال بعض من عناصرها بقيادة طابور مسلّح يتكوّن من 30 مركبة عبر المنطقة الخضراء، وهي الحيّ الحكومي والدبلوماسي في بغداد، في استعراض للقوّة يهدف إلى تخويف الكاظمي.
وأفادت التقارير بأنّ هشام تلقّى هو أيضًا تهديدًا من المتحدّث باسم "كتائب حزب الله" حسين مؤنس (أبو علي العسكري) في 3 تمّوز (يوليو)، وذلك بحسب رسائل هاتفيّة رآها زميل لهشام. وفي 5 تمّوز (يوليو)، شجب هشام الميليشيات التي أطلقت صاروخًا على المنطقة الخضراء، والذي أدّى إلى إصابة فتاة عراقية صغيرة. وقد رصدتُ طيلة 17 عامًا الميليشيات الشيعيّة التي تستهدف الأكاديميّين والأطباء والصحفيّين والجنود العراقيّين في عمليّات قتل، وبرأيي، من الواضح أنّ "كتائب حزب الله" قتلت هشام لترسل رسالةً إلى حكومة الكاظمي وإلى المحلّلين السياسيّين العراقيّين الآخرين، لتقول: تراجعوا، وتوقّفوا عن محاولة وضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة.
وأشادت "قريش"، وهي آلة إعلامية إسلامية تابعة لتنظيم "داعش"، بعمليّة قتل هشام لكنّها لم تتبنّاها. وهذه هي المرحلة التي وصلت إليها الأحداث في عراق اليوم: كلّ من "داعش" وأعدائهم المفترضين في "كتائب حزب الله" لديهم القوميّون العراقيّون نفسهم على قوائم المستهدفين. وأعجزُ عن التفكير في تأبين أفضل من لعن "كتائب حزب الله" و"داعش". وإذا كان لا بدّ من النظر إلى سمعة أعداء المرء للحكم عليه، فكان هشام يسدي خدمة كبيرة إلى العراق وقت موته.
كان المحتجّون والصحفيّون العراقيّون والوكالات الأمنيّة على معرفة جيّدة بهشام، مثل كلّ حكومات التحالف الدولي تقريبًا. وإذا كان قتل هشام ممكناً، فإن أي شخص آخر في العراق يمكن أن يُقتل اليوم. ولذلك، فإن الرد الضعيف على تلك الحادثة قد يقنع الميليشيات بأنها آمنة لتذهب أبعد من ذلك. وعلى الجميع، من كلّ الجوانب، أن يرفعوا أصواتهم ويبذلوا جهودًا للعثور على قتلة هشام وأولئك الذين قتلوا المتظاهرين والصحفيّين ومحاكمتهم قبل أن يقتلوا المزيد من العراقيّين.

اضافة اعلان

*زميل في برنامج "ليفر" في معهد واشنطن، مقره في بوسطن، وهو متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج